المطران الياس عودة : في قداس الميلاد نصلي لانتخاب رئيس يلتفّ الجميع حوله

المطران الياس عودة

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران #الياس_عودة خدمة قداس الميلاد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت.

وبعد الإنجيل، ألقى عظة بعنوان “لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني” وقال “نحن نعيد اليوم لميلاد ربنا يسوع المسيح بالجسد بعد أن أفرغ ذاته آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس من أجل أن يخلص خليقته العاقة ويعيدها إلى ما كانت عليه عند الخلق”.

أضاف: “ظهور الإله المتجسد في حياتنا دعوة لنا إلى التوبة إلى التخلص من عبودية الخطيئة والسير في طريق القداسة والتأله. لقد تجسد الإله ليتأله الإنسان ويصبح مشاركا في الملكوت السماوي. بالإيمان بيسوع المسيح يصبح المؤمنون أبناء الله.

وأبناء الله يتخلقون بأخلاقه. وقد تجسد ابن الله ربنا يسوع المسيح ليرسم لنا طريق التشبه بالله وسبل اتباعه. إذا تأملنا في معنى التجسد الإلهي ندرك عمق محبة الله لنا وعظم اتضاعه وعميق رحمته. نحن مخلصون بالنعمة لا بسبب استحقاقنا. الإنسان خلق حرا فتكبر وعصى الله وابتعد عن الفردوس بسبب خطيئته. لم يتغافل الإله عنه بل أراد إعادته إلى حرية أبناء الله فأرسل ابنه ليموت عن الإنسان الخاطئ وينتشله من جحيم البعد عن الله. تجسد المسيح ومات عنا ليحررنا من الخطيئة التي هي بعد عن الله وليعلمنا أن المحبة هي طريقنا إلى الله”.

وتابع: “يقول يوحنا في رسالته الأولى “بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به… الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه” (1 يو 4 9 و16). المحبة هي سر الحياة مع الله. يقول الرب يسوع “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك” (متى 22 37-39)”.

وقال: “مشكلة عالمنا اليوم أن الإنسان فقد محبة الله ومحبة القريب. إنسان هذا العصر لا يحب إلا نفسه. لهذا السبب نشهد ما نشهده من حقد وقتل وحروب وتعديات على البشر وعلى التاريخ وعلى الطبيعة. الأنانية تدفع الإنسان إلى قتل أخيه الإنسان. تذكروا قايين وهابيل. قايين الشرير القاتل يسكن في إنسان هذا العالم الذي يدمر أخاه من أجل أن يبقى. مشكلة عصرنا أن الإنسان تخلى عن إنسانيته.

نحن نعيش في عالم قل فيه الإيمان وندرت المحبة عالم تحكمه المادية وحب المال والسلطة عالم ضاعت فيه القيم وامحت الأخلاق وعم الفساد والإنحرافات وعوض المحبة التي تجمع تفشى الحقد والتطرف والتعصب ورفض الآخر المختلف ما أنتج إرهابا يعم العالم وقد نلنا منه حظنا في لبنان. ولسوء الحظ بات الإرهاب آفة تهدد الأمن في العالم وتمحو معالم الحضارة الإنسانية حتى بات البعض يغتال الحرية باسم الدين أو يسيء استعمال الحرية والدين”.

أضاف: “الإرهاب عدو الدين. الإرهاب يحصد أرواحا بريئة ولا يستثني أحدا. ينشر الرعب بين البشر ويزرع الحقد. الإرهاب لا دين له ولا مذهب. هو جريمة بحق الدين والله وبحق الإنسان والقيم والأخلاق. لذا من واجبنا جميعا مسيحيين ومسلمين رفض التطرف وإدانته لأن الإرهاب ثمرة التطرف كما علينا جميعا الإعلان عاليا أن لا علاقة للتطرف والإرهاب بالدين بل هما يقضيان على الدين وعلى الإنسان. المؤمن الحقيقي إنسان محب وديع منفتح متواضع رحوم يقبل الآخر ويحترمه ويعتبره أخا وقريبا.

“من لا يحب أخاه يبقى في الموت. كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس” (1 يو 3 14 و15). إن التطرف الديني قتل للدين وإساءة كبيرة له كما أن تحميل الدين ما ليس فيه يفضي إلى عكس الغاية المرجوة من الدين. المؤسف أنه باسم الدين يتم القضاء على البشر وعلى الحضارات وعلى التاريخ. المتطرفون يريدون الله على شاكلتهم وعلى صورة أحقادهم وشهواتهم قاتلا وعنيفا لكن القتل إنكار لله لأن الله محبة”.

وتابع: “إن الإيمان بالله والأمانة للأصالة الدينية يقتضيان احترام الإنسان والسلوك بموجب المحبة والرحمة والتزام الآخر واحتضانه. وحدها المحبة تبني. المحبة التي قال عنها بولس الرسول أنها “تتأنى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء” (1 كو 13 4-7).

ما نحتاجه في لبنان أن يحب واحدنا الآخر وأن يقبله أخا في الإنسانية وفي الوطن رغم اختلاف الدين والرأي وشريكا حقيقيا في ورشة بناء الوطن. نحتاج إلى حوار صادق وتواصل بين فئات المجتمع بعيدا عن المصالح والإرتباطات لأن مصلحة الوطن تتقدم على كل المصالح. عندما ينشد اللبنانيون نشيدهم الوطني كلنا للوطن هل يشعرون فعلا أنهم للوطن لا لأنفسهم أو لأحزابهم أو لانتماءاتهم وطوائفهم أو لمصالحهم… ألا يدرون أنها كلها زائلة إن زال الوطن؟”

وقال: “نحن بحاجة إلى الخروج من تخلف العصبيات والمحسوبيات إلى أفق الوطن الواحد والولاء الوحيد للوطن واحترام الكرامة البشرية والحرية الفردية في ظل دولة قوية عادلة. نحن بحاجة إلى محاربة الجهل بالعلم والثقافة والتطور وإلى محاربة الفساد بالشفافية والمثابرة وإلى محاربة التطرف بالإيمان الحقيقي. في هذه المناسبة المباركة أدعو الجميع إلى تخطي المصالح والأحقاد والإجتماع على حب لبنان وإعادة الحياة إليه. وإلى أحبائي الشباب أقول لا تقترفوا أخطاء من سبقكم. أنتم دعائم التغيير والتقدم أنتم أمل الغد ورجال المستقبل.

لا تكونوا خرافا يقودونكم حيث يشاءون بل اتعظوا من أخطاء الماضي لتبنوا مستقبلا مشرقا. أما إخوتي المسيحيون في هذا الشرق فأقول لهم إننا مدعوون لنكون على صورة مسيحنا الذي أحبنا حتى إنه تنازل من علو مجده واتخذ طبيعتنا ليخلصنا وقد أوصانا أن نكون نورا وملحا وخميرة صالحة وقال لنا “أنا الكرمة وأنتم الأغصان” (يو 15 5) فهل يكون الغصن يابسا إن كانت الكرمة مثمرة؟ إنه وقت العمل والتضحية وقت إنقاذ الوطن الذي يجمعنا جميعا مسيحيين ومسلمين. لتكن هذه الأعياد المباركة مناسبة لنا للعودة إلى الضمير والقيام بالواجب تجاه وطننا. لبنان لنا جميعا ومن واجبنا الحفاظ عليه لؤلؤة مضيئة في سماء هذا الشرق”.

أضاف: “الميلاد عيد المحبة والتواضع وبذل الذات بلا حدود. لبنان في حاجة إلى محبتنا له ولبعضنا البعض إلى تواضعكل منا والتخلي عن أناه لصالح الجميع وبذل كل الطاقات من أجل إعادة الحياة الديموقراطية إليه. صلاتنا إلى الطفل الإلهي أن يحفظكم جميعا وأن يعيد عليكم هذا العيد المقدس بالصحة والخير والسلام. كما نصلي من أجل أن يلهم الرب الإله جميع المسؤولين عن هذا البلد لكي يعملوا على انتخاب رئيس للجمهورية يلتف حوله الجميع ويتكاتفون من أجل إعادة العمل إلى مؤسسات الدولة”.

وختم عودة: “نصلي من أجل أن ينشر الرب الإله سلامه في منطقتنا وفي العالم أجمع وأن يبلسم قلوب الحزانى ويعيد جميع المهجرين إلى ديارهم وجميع المخطوفين إلى أهلهم ويعيد إلينا أخوينا الحبيبين بولس ويوحنا سالمين ويبارك كل من يعمل من أجل خير الإنسان ونشر السلام على هذه الأرض وجميع الذين إذ قد أبصروا شروق النهار نور الضياء العلوي يرتلون مع الملائكة قائلين المجد لك يا مظهر النور المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”.

التعليقات مغلقة.