وجهٌ جديد قد ينضمّ الى لائحة أصحاب الإلهام

كلُّ ما يتطلّبه الأمر الكثير من الحنكة، واطلاعٌ معمّق على تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية المحليّة والاقليمية أي ما يشبه معادلة الاستماع الى نشرات الأخبار وقراءة مكثّفة للصحف اليوميّة.

زد على ذلك خبرة مجتمعيّة في قراءة نقاط ضعف الأشخاص واستطلاع طبائعهم وتفرّعات شخصيّاتهم. ان كنتم تملكون هذه المواصفات الايجابيّة التي تعكس تمتّع أصحابها بذكاءٍ يعوّل عليه، وفي حال ترافقت صفاتكم المنشودة هذه ببطالة طالت فصولها، ما عليكم سوى تطوير “الكاريزما” في شخصكم، سلباً ام ايجاباً، والتقدّم الى احدى المؤسسات الاعلاميّة تحت اسم “المتوقّع فلان”. ليس للاسم والشهرة أهميّة أو أولويّة. المهم هو ان وجهاً جديداً قد ينضم في أي وقت الى لائحة أصحاب الالهام، فيطلق توقّعات على المستويين العام والشخصي. قد تكون “انت” المقصود في حال اقتنعت بوجهة نظرٍ غريبةٍ كهذه، وحالفك الحظّ… فتصير جالب حظّ. لكن تساؤلاتٍ عديدة تطرح في هذا السياق. ماذا في الأسباب الخفيّة وراء الجماهيرية التي تتمتع بها هذه الظاهرة؟ وماذا عن انعكاساتها النفسيّة على المجتمع اللبناني؟ ولماذا أصابت مجتمعنا بالتحديد؟

من التوقّعات العامة الى الشخصيّة
“الفضول لمعرفة خبايا المستقبل ينتجه الخوف من المستقبل”. بهذه العبارة تلخّص المعالجة النفسيّة ريما دروبي السبب الاساسي الكامن وراء التأثّر العميق بأقاويل المتوقّعين الذي يعتري نسبة كبيرة من المجتمع اللبناني. وتضيف: “حالة المجتمع الشرقي يطلق عليها صفة اللاوعي الجماعي، حيث يمشي الجميع في اتجاهٍ واحد ويعملون في بوتقة فكريّة واحدة، قوامها حب الاستطراد، حتى الذين يعتبرون أنهم لا يصدّقون ما يقال، هم في داخلهم يتأثرون به”. وترى أن “في علم النفس، لا وجود لما يسمى بالتسلية، العقل يذهب حسب توجّهات صاحبه، أما التذّرع بالمشاهدة رغبةً في المرح، فهو عبارة عن ذريعة أو حجّة دفاعيّة لا أكثر”.

وفي لجوء البعض الى المتوقّعين بعد شهرتهم لمعرفة خبايا مستقبل حياتهم الشخصيّة مقابل مبالغ ماليّة، تعتبر ان “المبرّج يعتمد هنا في سياسة جذب الناس اليه على طاقته الكبيرة في قراءة الوجوه وشخصيّته الفريدة التي تلعب دوراً مهمّاً في التأثير عليهم. قد تكون طبيعتهم انتقاميّة وهي طريقة تستعمل مع الاشخاص الذين يأتونهم خائفين، فيصطادونهم من خلال زيادة مخاوفهم، او يلجأون الى الايجابيّة في التعاطي في حال تلمّسوا رغبةً في تحقيق أمنية معيّنة”. وعن تأثير أقاويلهم على الناس تعتبر ان “كل كلمة ينطق بها المنجّم ستقلب حياة متلقّنها رأساً على عقب لأنها ستغيّر نسبة الأدرينالين في جسمه وتحضّه على السير نحو تحقيق ما قاله، وهو بذلك يلتقط ذبذبات ايجابيّة منها، خصوصاً أن لا شيء مستحيل في الحياة، ومن يسير في اتجاه تحقيق أهدافه سيصل، حيث يشكّل التوقّع الشخصي له حافزاً على الوصول”.

النساء أكثر تفاعلا
لعلّ ظاهرة اللجوء الى العرافين والبراجين واصحاب التوقعّات ليست بجديدة. بل هي نتاج سلوكيّات اجتماعيّة قديمة التبلور. فتلفت المعالجة النفسيّة التحليليّة الدكتورة إليانا قاعي الى ان “اللجوء الى أصحاب التوقّعات ظاهرة موجودة منذ زمن، حيث يلجأ اليها كل من لا يتمتّع بثقةٍ كافية بالنفس وهي تساعده برأيه في السيطرة على زمام الأمور نتيجة عدم استقراره النفسي. انتظار نتيجة مرضية قد يحصل مرّة بالصدفة، الا ان الاحباط واليأس والدخول في مراحل اكتئاب هي النتائج الحتميّة لمن يؤمن بهذه الأمور”.

وفي النتائج السلبيّة الماديّة تشير الى ان “الوسواس الذي يصاب به الانسان نتيجة الافراط في التعلّق بهذه الاعتقادات، يؤدي حتماً الى خسارة مبالغ ماليّة كبيرة قد تصل الى حدود الافلاس، لأنه سيفقد المبادرة الفرديّة ويربط جميع اموره الحياتيّة بأقاويل المنجّم، فيتخلّى عن امواله مقابل استعادة مبادرته التي لا وجود لها أصلاً”. وفي ترجيحٍ حول النسبة المجتمعيّة الأكبر التي تطالها هذه الاعتقادات ترى ان “النساء هن الاكثر تفاعلاً من الرجال، نظراً لكونهن أكثر عاطفيّة منهم. لكن الرجل بدوره قد يتحرّى عن هذه الأمور بحدّةٍ أقل نظراً لاهتماماته الأساسيّة بأمور ماديّة عمليّة”.

تحظير برامج التوقّعات؟
في مقاربةٍ قانونيّة حول إمكانيّة اللجوء الى التوقّعات على الهواء، تشير الباحثة في شؤون الاعلام والتواصل الدكتورة ميرنا بو زيد الى ان “لا وجود في قانون الاعلام لأي مادة تتطرّق الى هذا الموضوع، الا انها في الوقت نفسه تحظّر عرض أي برنامج مخلّ بالآداب العامة والنظام العام وتنمية المجتمع. من هنا ننطلق في اشكاليّة التنمية المجتمعيّة الغائبة في هذا الاطار، اضافةً الى تعارض مع مسألة احترام الأديان السماويّة التي لا توافق على تلك الأمور. الا ان المفارقة تكمن في تحظير قانون الجزاء العام لهذه الأعمال ما يدلّ على وجود تباين في النظرة الى الموضوع من وجهتين مختلفتين”.

وتلفت الى ان “هذه البرامج تنتشر عادةً في أوقات الأزمات الاجتماعية والسياسيّة والاقتصاديّة وفي حال غياب الاستقرار الامني، حيث إن الجمهور يتعاطف لاإرادياً مع الاعلانات الترويجية كخطوة اولى كما يتأثر بأي اخبار تناقش اوضاع مقلقة”. وحول اشكالية تحبيذ المشاهد لهذا النوع من البرامج نظراً للجماهيرية الكبيرة التي تتمتّع بها تنفي “مسؤوليّته في هذا الخصوص لأن المواطن لديه رغبة في تمضية الوقت الضائع الذي يترافق مع مستوى فكري وثقافي متدنّ في البلاد، ما يحتّم عليه التسمّر امام الشاشة. الا ان الاعلام هو من يلعب الدور الملك في التسويق لهذه البرامج وفق معايير التشويق البريء غير المؤذي ظاهرياً”. وتضيف: “المشكلة تكمن هنا في اعتياد المواطن على الاستسلام للقدر وتبنّي مفهوم القدرية، فيعتاد على المشاهدة دون ارادة حقيقيّة في ذلك”.

النظرة الى موضوع برامج التوقّعات من وجهة نظر ربحيّة، تعطي المؤسّسات الاعلاميّة أحقيّة في عرضها. وقد لا يختلف ذلك في الرغبة في استقطاب المشاهد وجذبه في حال تبيّن لها حباً جامحاً من قبله في مشاهدتها. الّا ان مفترقاً آخر يطرح عتباً ما: في مقابل ارضاء الاكثرية الشعبية ببرامج تثيرهم، اين تكمن البرامج القيّمة التي قد تقدّم للمشاهد النخبوي مادةً دسمة او فكرة جديدة عصريّة خارجة عن المألوف… والتي قد تشفي التوق الى التسمّر امام الشاشة بشغف؟

التعليقات مغلقة.