شكراً CNN – هل كل هذه الزبالة عندنا ؟

 

ينهمك بعض اللبنانيين بإعادة نشر الخبر المصوّر الذي بثته قناة CNN، على مواقع التواصل الاجتماعي. يتابعونه مصدومين. في اللحظة التي تكشف فيها المذيعة حقيقة ما تتضمنه المشاهد قائلة :This is all…TRASH! ، يصابون بصدمة عمرهم. خنجر ويُغرز في القلب. تصبح العيون دائرات كبيرة تختزل كل اشارات المفاجأة والهلع. “يا الهي، هل هذه الزبالة عندنا؟ لا، لا، لا نصدق…تباً”! تستحق هذه “الوهلة” “ستاتوس” أو تعليقاً. تبدأ حفلة الشتائم والقرف العارم. يخال لمن يقرأها ان لبنان على موعد مع انقلاب لم يشهد مثله التاريخ، أو ان الثورة ستولد هذه المرّة، من رحم الاكياس! وان الفجر الآتي سوف يخرجه الشعب من سجن الظلام. وان جميع الوزراء والنواب والمسؤولين والمتآمرين باتوا في عرض البحر، هاربين من الغضب الساطع. يحصل ان يعبّر البعض عن الفاجعة بكلام تراجيكوميدي، كأن يدعو الى الاحتفال بوصول لبنان الى العالمية، أو كأن يفاخر بالمعالم السياحية المستجدة والتي ينفرد بها بلد التبولة.

ويحصل أن يخجل بعض آخر مما يشاهده. ولأنه من نتائج الخجل الشديد وفق العادات اللبنانية ان يقال “يا ارض انشقي وابلعيني”، وبمناسبة عودة الحديث عن “معالجة” النفايات بالطمر، يتمنى لو انه يُطمر حالاً وفوراً! “ويا جرصتنا قدام الاجانب”!

أمام هذا الواقع، ليس أمامنا الا القيام بأمرين ضرورين وأساسيين:

اولاً، التقدم بالشكر الجزيل من قناة CNN كونها لفتت انتباه الشعب اللبناني الغارق في سبات عميق…وزبالة اعمق! هذا الشعب، او الاصحّ بعضه، الذي لم يصدق ان القمامة تملأ الشوارع والزوايا والجسور، الا حين عرضت الشاشة الاميركية احد “انظف” المشاهد! OH God، ماذا كان ليحصل يا ترى لو انها بثت صور الزبالة المبعثرة من دون اكياس تحت جسر المعاملتين، او في مجرى نهر بيروت على سبيل المثال؟!…”هونيك الكارثة والجرصة”!

فشكراً ايتها المنابر الاعلامية العالمية لأنك “اسقطتي” هؤلاء من مريخهم. بات بامكانهم تحسس الواقع عن قرب. يكفي ان يمدّوا رؤوسهم خارج نافذة منزلهم، وسوف يجدون النفايات! مبروك!

أما الأمر الثاني الواجب فعله فوراً، فهو التقدم بالاعتذار من جميع شباب وشابات الحراك المدني، بصرف النظر عن اسم المجموعة التي ينضوون تحتها. هؤلاء الذين هبوا منذ بداية الكارثة نحو الشارع، راجين المسؤولين الرحمة وابعاد السرطان. هؤلاء الذين ضُربوا وقمعوا وقُتلوا وسُجنوا واتُهموا بالعمالة وضرب الامن وتخريب البلد…هؤلاء الذين تحركوا بعفوية، وبالفطرة وبالعقل، متحسسين حجم المصيبة التي وضعت السلطة ابناءها فيها كي تنهشهم وترمي بعظامهم. هؤلاء الذين استشرفوا مستقبل الازمة لأنهم واعون لحقيقة ما يحصل من فساد وجشع وتقاسم طائفي وحزبي في كل الملفات، فنبهوا مرارا وتكرارا من مغبة ترك السلطة تجترح “الحلول” على سجيّتها او بالاحرى وفق مصالحها! هؤلاء الذين لم يصبهم اليأس، حتى بعد ان اُجبروا على ترك الشارع، فراحوا يقاومون بكل الاساليب الاخرى المتاحة، في وقت امعنت الدولة بغرز المواطنين بحقن الترحيل ومورفين الوعود والتطمينات، الى ان عادت الى نقطة الصفر…والطمر!

انتصر الحراك المدني، هذه هي الحقيقة. لكنه يحرم نفسه اليوم من مصل النشوة. لا يبدو أن “واجب” الثورة يعنيه بقدر ما تهمه نتائجها. لن يقيم حفل الانتصار الا بعد الانتهاء من حفلة التنظيف. تنظيف الشوارع وكراسي الفساد. حتى ذلك الحين، علينا بالاعتذار منه. بل أكثر.. معاونته في الحفر لإنشاء مطمر تُدفن فيه هذه الحقبة المشؤومة والوسخة.

 

 

التعليقات مغلقة.