الانتخابات البلديّة اللبنانيّة في المكيال الدوليّ

 

مع إسدال الستارة على الفصل الأخير من دورة الانتخابات البلديّة اللبنانيّة لعام 2016، وبداية صدور النتائج الأوّليّة لبعض مراكز الاقتراع في محافظة الشمال، يكون اللبنانيّون قد اجتازوا هذا الاستحقاق الكبير بنجاح لم يكن متوقّعًا في الأصل عند بدايته، وذلك على خلفيّة الشكوك والهواجس التي ظلّت تطارده منذ الإعلان عن آليّة جدول مواعيده في كافّة المحافظات اللبنانيّة ولغاية بداية الجولة الأولى منه، الأمر الذي يعني في إطار ما يعنيه أنّ تعطّش أبناء هذا الوطن إلى ممارسة حقّهم الديمقراطيّ في التعبير عن أصواتهم من خلال تصويتهم في مثل هذه الاستحقاقات.

لا بدّ وأن يكون قد أسقط اعتبارًا من هذه الليلة كلّ ما يمكن أن يحول دون إجراء معركة الانتخابات البرلمانيّة المقرّرة العام المقبل من المسوّغات والمبرّرات التي أدّت إلى التمديد لمجلس النوّاب على خلفيّة الترويج لفزّاعة المخاوف الأمنيّة السابقة، وخصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار أنّ إحدى أجمل تجلّيات مشاهد انتخابات اليوم في الشمال، وما سبقها من مشاهد في بقيّة المحافظات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تمثّلت في تجديد التأكيد على البديهيّة التي تقول إنّ الجيش اللبنانيّ هو الضامن الأوحد لحاضر اللبنانيّين ومستقبلهم، بما يشكّل حالة صحّيّة تبشّر بخير قلّ نظيره في دول الإقليم المجاورة الحافلة بالنزاعات والصراعات، ولا سيّما أنّ هذه المؤسّسة كانت قد صُنِّفت العام الماضي على رأس القائمة الدوليّة لأكثر المؤسّسات العسكريّة شفافيّة في الشرق الأوسط.

لا شكّ في أنّ الأوضاع التي خيّمت على الأجواء الشماليّة خلال الساعات الأولى من فتح صناديق الاقتراع لم تختلف كثيرًا عن الأوضاع التي رافقت المشهد الانتخابيّ عمومًا في كلّ المحافظات الأخرى خلال الجولات الثلاث السابقة، ولو أنّ خصوصيّة العوامل في محافظتيْ الشمال وعكّار تتّخذ بعدها وفق كلّ منطقة على إيقاع الارتصافات القائمة بين مطرقة العصبيّات العائليّة والأهليّة وسندان التسييس المفرط لبعض المعارك، الأمر الذي لا بدّ وأن يؤدّي خلال الأيّام المقبلة إلى استكمال الرسم البيانيّ للخريطة السياسيّة التي سيتحدّد على أساسها قياس شعبيّة القوى السياسيّة والحزبيّة في معركة الانتخابات البرلمانيّة المقبلة.

في هذا السياق، كان لافتًا اكتمال عقد الودّ بين المكوّنات السياسيّة الأساسيّة في عاصمة الشمال تحت مظلّة “لائحة لطرابلس” التي وشت في أهمّ تجلّياتها بأنّ قيادات المدينة عقدوا “العزم” على جعل “المستقبل” أكثر إشراقًا، وخصوصًا على خلفيّة طيّ صفحة الخلافات الماضية بين الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري، بكلّ ما تحمله هذه الخطوة من بشائر من شأنها الارتقاء بالحالة السنّيّة في البلد إلى ما تحتاجه من انتظام ضروريّ لإنعاش دورة الحياة السياسيّة على إيقاع ما يشهده لبنان من ارتصافات تسعى إلى النهوض به وإخراجه من حالة الدوران في حلقة الشغور الرئاسيّ المفرغة، ولا سيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ كافّة المؤشّرات المتوافرة في الوقت الحاليّ تدلّ على أنّ الزمن المقبل في لبنان هو زمن بناءٍ بامتياز، الأمر الذي يتجلّى، ليس من خلال الإصرار الدوليّ على تحييده عن أزمات المنطقة وحسب، وإنّما من خلال التوافق على إبقائه منارة في هذا الشرق أيضًا، وثمّة توافق روسيّ – أميركيّ – أوروبيّ واضح في هذا المجال.

على هذا الأساس، وبغضّ النظر عن تدنّي نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع في بعض المدن والبلدات اللبنانيّة، وذلك لأسبابٍ لها أوّل وليس لها آخر، فإنّ دورة الانتخابات البلديّة التي أُسدلت الستارة هذه الليلة عن فصلها الأخير، كانت بحقّ، من وجهة نظر دوليّة، بمثابة امتحان لتكريس الحالة الديمقراطيّة اللبنانيّة الفريدة من نوعها في هذا الشرق… وما يبدو جليًّا الآن في نهاية الامتحان، أنّ لبنان سيُكرم، ولن يهان.

التعليقات مغلقة.