الكاوبوي مرَّ من هنا : الزعماء أبرياء بعد فوات الأوان

علم من مصادر قضائية، أن القرار الظني بحق “يوسف فخر” الشهير بإسم “الكاوبوي” قد صدر وقضى بطلب الأشغال الشاقة المؤبدة له بجرم إنشاء عصابة مسلحة والتعامل مع العدو الإسرائيلي. 

قُبض على الكاوبوي، يوسف رياض فخر. لم يحصل ذلك بسبب ما ارتكبه في الحرب، على رأس مليشيات “الحزب التقدمي الاشتراكي” في منطقة الروشة ببيروت. فالعفو العام صفح عنه وعن أمثاله، فيما لم يصدر قانون يُلزم بالكشف عن مصير مفقودي الحرب، مثلاً.

قُبض على الكاوبوي، الذي بات أميركيَّ الجنسية، بتهمة الاتصال بالعدو الإسرائيلي والسعي لتدبير صفقات سلاح لمصلحة مجموعات في سوريا.

تتنافس الذاكرة والسياسة لدى سماع هذا الخبر. فمن جهة، لا يمكن نسيان الكاوبوي وأفعاله التي يحفظها اللبنانيّون عموماً وليس أهالي بيروت وسكانها فحسب. ومن جهة أخرى، لا يمكن نسيان السؤال عن دور رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، أو لادوره، في القبض على الكاوبوي، أو في رفع الغطاء عنه وتجاهله كي يرتاح منه وينسى “ما جرّه وأمثاله على الحزب وبيروت وأهلها”.

والحقيقة أن جنبلاط نفض يده منذ فترة طويلة من الكاوبوي ومن مسؤول أمن حزبه في بيروت، أبو هيثم. أقدم على ذلك بعد الحرب لا إبّانها، وهذه إشارة بحد ذاتها. وأثناء حديثه عن هذا الأخير، الذي لا يدري من زرعه في الحزب، يُخيّل أن جنبلاط كان في موقع المواطن الذي يُفاجأ بما يفعله أبو هيثم وزمرته في شوارع بيروت، ويتجنّبه مثل المواطن العادي الذي يكتم كرهه له، وقد ارتاح منه إذ سلّمه للأمن السوري لكونه عميلاً لإسرائيل، وبات في إمكانه نقده والتبرّؤ من أفعاله.

زعيم المليشيات الأخرى، التي سيطرت على بيروت الغربية وتحكّمت بها بعد انتفاضة 6 شباط 1984، رئيس “حركة أمل” نبيه بري، تجرّع الكأس المر أيضاً. لم يسلّم عملاء لإسرائيل في الحركة، إنما أدرك بُعيد طرد جيش أمين الجميّل من بيروت الغربية، في 6 شباط، أن حكم المليشيات لبيروت “قميص وسخ أمنيّاً”. فهرع إلى المفتي الشيخ حسن خالد يخبره أن بيروت تاجه الوطني وأنّه لا يستطيع أن يلبس ذاك القميص وأن يتحمّله.

لكنّ المفتي خالد كان مبارِكاً وقال له: “نحن لنا ثقة بك”.

وحكمت مليشياته بيروت، وتصادمت، لأسباب سياسيّة إقليمية تارة ومحليّة شوارعيّة تارة أخرى، مع مليشيات “الاشتراكي” حيناً، و”المرابطون” حيناً آخر… ومع آخرين أيضاً وطبعاً. فلبس هو وجنبلاط وآخرون ذاك القميص.

يروي الزعماء بعد الحرب وبعدما باتوا “رجال دولة” ما يحلو لهم. لكن، تبقى تلك رواياتهم، وأما فحصها وتحرّي الحقائق فأمر آخر. والأهم من تلك الروايات، هو تلك الرغبة في التبرّؤ من القميص الوسخ، والبحث عن قصص ومستندات تثبت السعي لتجنّبه، أو البحث عن مجرمين ومدسوسين مزروعين لمحاولة خلع ذاك القميص أو ادعاء عدم لبسه. لكن ذلك لا يعني، بتاتاً، أن القميص الوسخ لم يكن موجوداً ولم يُلبس، أو أن الكاوبوي وأبو هيثم وأمثالهما لم يمروا في بيروت ولبنان وتحت قيادة الزعماء. وهذا لا يعني أيضاً أن الزعماء ليسوا أبرياء، فهم أبرياء في رواياتهم وبعد التجربة وفوات الأوان، ومقارنة بالكاوبوي والعملاء والمزروعين في أحزابهم وذوي القميص الوسخ. ولعل لهذا يوجد الكاوبوي وأمثاله في حياتنا ومدننا… وفي قصص الزعماء.

حسان الزين

التعليقات مغلقة.