ولادة جديدة للمتحف الوطني اللبناني

شهد المتحف الوطني تظاهرة ثقافية تاريخية، مع إعادة الإفتتاح الرسمي للطابق السفلي منه، هذا الطابق الذي أقفل مع بداية الحرب الأهلية في العام 1975… هنا تروي 520 قطعة أثرية فصول حقبات متعاقبة على مرّ العصور.

يتميّز الطابق السفلي بمعروضاته التي حمل عنوانها العريض: “الفن الجنائزي” في لبنان عبر العصور، حيث تمّ عرض 31 ناووساً من الرخام، محفور عليها الوجه الذي يرمز إلى الفينيقيين، وتماثيل ونصباً مدفنية وكلّ ما يمكن إيجاده في المدافن من فخاريات وزجاجيات وحُلي.

وهذه النواويس التي وجدت في منطقة صيدا تُعدّ المجموعة الأكبر من هذا النوع في العالم، وتعود إلى الحقبة الممتدة بين القرن السادس والرابع قبل الميلاد . ويعرض في الطابق السفلي، وللمرّة الأولى في لبنان، بحسب مديرة المتحف آن ماري عفيش، 3 مومياءات محنطة طبيعياً من الفترة المملوكية (القرن الثالث عشر)، حيث اكتشف عدد من علماء المغاور الجثث في مغاور وادي قاديشا، وساهمت العوامل الطبيعية في المحافظة على أجسادهم إضافةً إلى ثيابهم والقطع التي وجدت معهم ومنها المأكولات ومقومات الحياة اليومية من قمح وبصل وغيرها من المواد الغذائية.

افتتاح الطابق السفلي للمتحف الذي أعلنت وزارة الثقافة عن إقفاله استثنائياً أمام الزوار يومي الجمعة والسبت، جاء بدعم من دولة إيطاليا التي قدّمت هبة بقيمة مليون و20 ألف يورو لإعادة التأهيل ولعرض متحفي جديد. ورعى الإحتفال رئيس الحكومة تمّام سلام الذي ألقى كلمة قال فيها إنّ “جهود جميع الأشخاص والهيئات التي ساهمت في ولادة هذا المشروع الجميل، ما كانت لتُثمِر، لولا المساعدة القيّمة المُقدّمة من الجمهورية الإيطالية الصديقة.

لقد أكدت إيطاليا، بمبادرتها هذه، عمق الصداقة بينها وبين بلدنا على جميع المستويات، وساهمت في اعادة تسليط الضوء على بعض تاريخنا الدفين، الذي هو في جزء منه تاريخ مشترك بين روما العظيمة وهذه المنطقة من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. لقد وضع الخبراء الايطاليون خلاصة معرفتهم لإنجاز هذا العمل، وفق أرفع المعايير العلمية، فجاءت النتيجة كما ترون ذروة في الدقة والاناقة والمَهابة التي تعكس قيمة هذه المقتنيات اللبنانية النادرة. نقول لاصدقائنا الايطاليين شكراً… إنّ الشعب اللبناني ممتنّ لكم وفخور بصداقتكم”.

وأضاف: “قيل لي يوماً، حين كنت وزيراً للثقافة، أمام بعض النواويس والتعاويذ التي تحبس الأنفاس لجمالها، إنّ أجدادنا القدماء برعوا في الفن الجنائزي. أقول لكم اليوم، وبخاصة لضيوفنا الأعزاء، إنّ اللبنانيين انصرفوا عن هذه المهنة منذ زمن، وصاروا يقيمون اعتبارا كبيرا لفن العيش الذي برعوا فيه.. هكذا نحن.. نحمل على اكتافنا كلّ هذا الماضي الذي ترون بعضه هنا.. نعيش حاضرنا الصعب كاختبار يومي في فن الحياة.. ونكتب كلَّ يوم، مع أبنائنا المنتشرين في كلّ أرض… سطراً جديداً في سجل الحضارة البشرية”.

من جهته، رأى وزير الثقافة ريمون عريجي أنّ “حركة التاريخ مسار لا يتوقف”. وقال: “نريد وطنناً كياناً قوياً وسليماً وعادلاً ومتضامناً ومنفتحاً ومتناغماً مع حاجات الدولة، فالوطن أمانة في أعناقنا لأجيال تأتي بعدنا”. وتوجّه بالتحية إلى وزير الخارجية الايطالي باولو جينتيلوني، قائلاً: “نحن نتطلع الى مشاريع مشتركة متنوعة مع ايطاليا على كل الصعد”.

تجدر الإشارة إلى أنّ المتحف الذي يضم 3 طوابق، افتتح للمرّة الأولى عام 1942، وتعرّض للتدمير خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ثمّ أعيد افتتاح الطبقة الأرضية والطبقة الثانية في العام 1999 بعد ترميمهما وتأهيلهما.

التعليقات مغلقة.