بعد غياب 24 عاماً : ريمي بندلي في حدث استثنائي

أن تكون في ربيعك الرابع، لا تجيد لفظ كلّ الحروف، ولم يتسنّ لذاكرتك أن تفتح أبوابها لاستقبال اللحظات بعد، فتتحوّل فجأة، أملاً وصرخة بوجه الظلم، بل حلم وطن… فهذا أشبه بقصص الأطفال الخيالية. لكنّ هذه الحكاية حصلت منذ أكثر من ثلاثين عاماً. لبنان في الحرب، وشعبه يسكن الملاجئ. ملامح الفرح هجرت الوجوه. أصوات القنابل المتوّحشة كوابيس يوميّة. لكن ذات يوم، أطلّت صغيرة، وعلى وجهها ابتسامة تحدّ. أغمضت العينين وحلمت وناشدت: “اعطونا الطفولة اعطونا السلام”. كان اسمها ريمي بندلي، وصار عنوانها: الوجدان اللبناني.

الطفلة التي وصفت بأنها حالة فنيّة فريدة من نوعها، غنّت ببراءة، فحادثت القمر وصادقته. وغنّت بنضج، فحملت في الثمانينات، قضية وطن. في العام 1993 وقفت على مسرح البيكاديللي، وجاء بعد ذلك الانقطاع بسبب سفر عائلتها الى خارج لبنان. ومنذ ذلك الحين، استقرّت “ريمي” في ذاكرة اللبنانيين الحلوة، بعد أن دخلت القلوب من دون استئذان.

محبو ريمي ينتظرون بفارغ الصبر عودتها إلى “لعبتها المفضلة” اليوم. إنه حدث استثنائي فعلاً، فبندلي التي رجعت الى الساحة الفنيّة العام الماضي مع ألبوم “ما نسيت”، لم تجر أي حفل غنيّ كبير بعد. عند الثامنة مساء (اليوم 20 تشرين الأول)، وتحديداً على مسرح “Assembly Hall” في الجامعة الأميركية في بيروت، ستقف سيّدة “كبيرة”، دائمة الابتسامة، مفعمة بالطاقة والصفاء، فتفتش عن القمر، و”القمر قنديل معلق بالشجر”، وتفتش عن “الشمس الحلوة ورفوف الحمام”، وتجدد الإيمان بالله وبلبنان…

في حديث لموقع “لبنان 24″، تؤكد بندلي أن عودتها الى الساحة الفنية كانت بالدرجة الأولى استجابة لكلّ المطالبات والإلحاح من قبل الـ Fans، أو كما تسميهم “الأصدقاء والأحباب”. لكنّ “ريمي” طبعاً لم تكن طوال فترة غيابها بعيدة عن عالم الفنّ. “هو أصلاً بدمي، لكن شاءت الظروف أن تنتقل العائلة (في أواخر الثمانينات) إلى الخارج، وكانت الأولوية بالنسبة الى والديّ تصبّ في اتجاه العلم والدراسة وتأسيس الذات وتنميتها”.

مرّت الأيام، وتخصصت بندلي في “علم الموسيقى” وراحدت تدرّسه في عدد من المدارس. ثمّ تزوّجت وسافرت مع زوجها لتستقرّ في السويد. كانت “ريمي” طوال هذه الفترة من حياتها تلحن، لكنها تضع هذه الألحان في “الجارور”.

تقول:” تتبدّل الأولويات في حياتنا، ولكلّ وقت أولويته. اليوم، وبفضل جمهوري الذي ما انفكّ يطالبني بالعودة، أعود الى الفنّ. ربما لو لم أتخذ هذا القرار في هذه المرحلة، لما اتخذته لاحقاً ابداً”.

في تشرين الثاني من العام الفائت (2015)، أطلقت بندلي ألبومها الأول بعد الغياب، وحمل اسم “ما نسيت”. كلّ ما فيه لم يأت من صدفة أو عبث. لعنوانه معنى: “ريمي” لم تنسَ الذكريات، ولا الطفولة، ولا الفنّ، ولا الوطن، ولا جمهورها…ومضمونه بأغنياته التسع، يلخص مراحل حياة بندلي، ويحاكي تجارب يمرّ بها معظمنا، بدءا من الحنين إلى الجدة، مروراً بحكايات الحبيب والزوج، وصولاً الى التعلّق بالأرض والوطن!

التعاون ما بين بندلي والفنان مايك ماسي الذي قام بالتوزيع، كان أيضاً مقصوداً :”أحبّ ذوقه الموسيقيّ، ونحن نتناغم وننسجم موسيقياً بشكل لافت”. كلّ الألحان في الألبوم تحمل توقيع ريمي، أما كلمات الأغنيات المتنّوعة من حيث الموسيقى والمعنى، فتتوّزع على كلّ من كميل سلامة، أنطوان شمعون، محمد علي الضيقة، وسام شدياق وسميّة مردكوش.

الحماسة واضحة في صوت بندلي، المرأة التي كبرت وما زالت طفلة تتحدث ببراءة وشغف. تقول عن الحفل المرتقب الذي يحمل شعار “لنتذكر ونكتشف”: “الهدف منه استعادة ذكريات الماضي وحنينه، واستكمال المشوار سوياً لنصنع ذكريات جديدة”.

الـ Concert الذي يقدمه “برنامج زكي ناصيف للموسيقى في الجامعة الأميركية” سيحمل الكثير من المفاجآت، بحسب بندلي. تكشف أنها ستؤدي أغنية جديدة Single للمرّة الأولى على هذا المسرح قبل أن تطلقها في الأسواق، كما ستلقي تحية تكريمية على الراحل الكبير (زكي ناصيف) من خلال تأدية أغنية له.

المفاجأة الأحلى، بل الوعد، أن “ريمي”، وبعد انتهاء الحفل، ستنضمّ إلى جمهورها وتحادث محبيها وتتعرّف عليهم. تماماً كما كانت تفعل وهي صغيرة، فتتراقص القلوب في الصدور فرحاً وأملاً وأقماراً من الأحلام.

التعليقات مغلقة.