ميريام كلينك وتلطيش المرأة : هكذا وصفها النواب في المجلس

ينسى بعض السياسيين في لبنان والعالم أنّ وقوفهم أمام الكاميرات ينقل تعليقاتهم وتصرفاتهم وأفكارهم وكلّ حركة يأتون بها على طريقة “تلفزيون الواقع” إلى داخل بيوت الناس، وليس على الصعيد المحلّي الضيّق، وإنما يعبر بها الأثير المحيطات ويجتاز القارات لتصل إلى كلّ أجناس البشر. يخال لنا أحياناً أنّ السياسيين متآلفون مع الكاميرا أكثر من الفنانين والمشاهير وإلى حدّ نسيان وجودها، وكأنهم جالسون تحت العريشة وأمامهم “كاس عرق” حيث يمكنهم التحدّث بحرّية وسلاسة عن كلّ ما يحلو لهم وحتى عن نساء الحيّ والتعليق على لباسهنّ وتقييم تصرفاتهنّ.

لفت الرأي العام في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية بروز إسم عارضة الأزياء ميريام كلينك بين أوراق الاقتراع، ولكن من الأمور اللافتة أيضاً كان تعريف أحد النواب عنها. فعندما سئل عن مَن تكون؟ أجاب: “تغنّي وترقص وتتعرّى”.

صحيح أنّ الغناء والرقص والتعرّي ليست إهانات بل حرّية شخصية، إلّا أنّ تعريف أحد نواب الأمة عن مواطنة لبنانية أمام الرأي العام العالمي بهذه الطريقة ليس مشرّفاً، بغض النظر عن هوية النائب وإسمه وإنتمائه لأنه في النهاية لا يمثّل نفسه في المجلس، بل الشعب اللبناني بأكمله.

إنّ ممارسة أيّ شخص لأيّ وظيفة عامة تندرج في إطار التفاعل مع الآخرين، تحتم عليه أن يكون أنيق الشكل والحديث. وعلماً أنّ أناقة الشكل لا تغيب عن معظم السياسيين اللبنانيين والعالميين، إلّا أنّ أناقة الحديث وحسن انتقاء الكلمات يلازمه “التفليت”، الذي لا يمرّ مرور الكرام على آذان الصاغين عبر الشاشات.

ويشجّع هذا “التفليت” حسّ الرجل في المجتمع على أنه قادر على التفوّه بما يشاء وتعيير النساء وتصنيفهنّ بين شريفة وغير شريفة حسب معاييره ومقاسات تقبّله للمرأة. فالرجل يعيش حرّية جنسية وفكرية وتعبيرية مطلقة، مدعوماً ومتسلّحاً بمجتمع ذكوري يناصره.

تعليقات السياسيين الحاوية شتّى أشكال التمييز ضد النساء في لبنان والعالم ليست قليلة، ولا يتردّد الرجال الذين يسيطرون على عالم السياسية بالتعبير بعفوية وبإطلاق النكات عليها، حتى لو كلّفتهم إدخالهم أرشيف غوغل التاريخي العالمي، من باب التمييز على أساس الجنس.

هذا النوع من التعليقات بالتحديد هو أكثر ما يهدّد فرص دونالد ترامب الرئاسية ويجرّه نحو الهاوية في سباقه الى الرئاسة الأميركية، لأنه يتقدم لهذا الاستحقاق مثقلاً بكلامه التجريحي ضدّ النساء. التطرّق بسخرية إلى الجنس اللطيف، وبأسلوب قليل الحياء ووقح له دلالة واضحة على هوية الشخص ونضجه ومدى احترامه لنفسه والآخرين.

في لبنان والعالم

تتعرّض النساء إلى شتى أنواع تلطيشات بعض رجال السياسة، الذين يطلقون عنان ذكوريّتهم في لحظة تسلّط.

وأشهر مطلقي التعليقات التمييزية على أساس الجنس إلى جانب ترامب هو رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلوسكوني، وقد احتلّ هذا النوع من التعليقات صدارة نكاته. فهو على سبيل المثال وصف نظيرته البريطانية مرغاريت تاتشر “بالقطّة الجميلة”.

أما المرشّحة إلى الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون فلم تسلم يوماً من التعليقات التمييزية ضدها، خصوصاً أنها ثابرت على التقدّم في محيط يسطو عليه الرجال طامحة في الوصول إلى رأس القمة. وفي طريقها الوعر تمّ وصفها بالعاهرة علانية.

ففي عام 2007، توجّهت إحدى مؤيّدات المرشّح جون ماكين بسؤال له: “كيف نحارب العاهرة؟”، وعنت بذلك منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. أما السيناتور الجمهوري فضحك، وأجابها: “هذا سؤال جيد”، مشجّعاً هذا النعت.

وفي حين درجت عادة السياسيين في العالم إطلاق هذه التعليقات المثيرة للجدل على زميلات لهم في عالم السياسة، أكثر منها على نساء يعملن في مجال الأزياء أو غيره… إلّا أنّ المجلس النيابي اللبناني لم يخلُ من لطشة تجاه الزميلات من النواب في يوم انتخاب الرئيس.

فقد شكّل اقتراع أحدهم لصالح النائب جيلبيرت زوين في الدورة الأولى، وورود ورقة أخرى لصالح النائب ستريدا طوق في الدورة الثانية نقطة لافتة، بينما لم يكن القصد منه واضحاً.

وفي بلد لازلنا نشعر فيه أنّ وصول النساء إلى سدة الرئاسة ضرب من أحلام الخيال بسبب الذكورية المستشرية، نتساءل إذا كان هذا من باب “النكتة” أيضاً؟ آملين أن نرتقي يوماً إلى مستوى تصبح فيه هذه النكتة حقيقة فيقوم نوابنا بالتصويت لامرأة تصل إلى سدّة الرئاسة.

سابين الحاج

التعليقات مغلقة.