قبل أن تتحّول الذكرى إلى مجرد عرض عسكري

في السنتين الماضيتين مرّت ذكرى الإستقلال مرور الكرام، ولم تشهد البلاد عرضًا عسكريًا مركزيًا، مع ما يعنيه هذا العرض من رمزية تشارك فيه جميع الوحدات العسكرية، تدليلًا على جهوزية تامة لهذه الوحدات في الزود عن الإستقلال، وصونًا للإستقرار العام في البلاد.

ومع إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، قبل 22 يومًا من هذه الذكرى، وهو الذي كان في يوم من الأيام قائدًا للجيش، يعود هذا الإحتفال إلى حيث كان، وهو إحتفال لكل الوطن، بكل فئاته وطوائفه وانتماءات أبنائه، باعتبار أن المؤسسات العسكرية، وفي طليعتها الجيش، ترمز إلى وحدة اللبنانيين في انتمائهم إلى وطن نهائي، ارتضوا ألاّ يكون منذ 73 سنة لا للشرق ولا للغرب، وألاّ يكون ممّرًا أو مقرًا لمؤامرات من الداخل على الخارج، وألاّ يكون محورًا في موزاييق المصالح الخارجية على حساب وحدة الشعب والمؤسسات.

إلاّ أن ما تشهده الساحة السياسية من تجاذبات، ظاهرها تقاسمٌ للحصص وتحسين ظروف التربع في صحن الدار من خلال الوزارات السيادية والخدماتية، وباطنها إثبات وجود للقوى الأساسية في البلد في السلطة ومركزية القرار، يجعل من هذه الذكرى مجرد ذكرى وعرض عسكري.

فبدلًا من أن تطفو الخلافات السياسية على وجه السطح، وكل فريق يرى من وجهة نظره أنه يملك الأحقية في فرض نظرته وتجربته في الحكم دون سواها من نظريات أخرى، كان الأجدى وفي هذه الذكرى بالذات أن تعمد كل القوى السياسية الفاعلة في البلاد إلى التفتيش عما يمكّن المؤسسات العسكرية من فرض هيبتها ومدّها بما يلزم من معدات وتقنيات حديثة تؤهلها لفرض سلطة القانون في الداخل والدفاع عن الارض من خارج الحدود والحؤول دون تسلل الإرهاب إلى الداخل اللبناني، بما فيه من تهديد للإستقرار العام، الذي لا يزال لبنان ينعم به بفضل ثبات الجيش على عقيدته القتالية وانضباطيته المؤسساتية.

ولا مبالغة في ما يُقال عن تضحيات المؤسسة العسكرية وما يقوم به رجالها من بطولات في ساحات الوغى، وهم الذين يبذلون دماءهم فداء للوطن وزودًا عن كرامة وطنية ترخص في سبيل المحافظة عليها التضحيات.

وقد يكون من جميل الصدف أن يتلاقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمة القسم مع كلمة التهنئة التي القاها الرئيس نبيه بري على ضرورة تقوية قدرات الجيش لتمكينه من القيام بدوره الوطني الجامع. وهذا هو الأساس الذي يتجاوز رمزية الإحتفال على أهميته.

اندريه قصاص

التعليقات مغلقة.