أُخرج اللاجئون الفلسطينيّون من دائرة اهتمام اللبنانيين. حصل ذلك تحت الوصاية السوريّة وبإرادة وتوجيه متعمّدين تُرجما بقوانين لاإنسانيّة. لكن ذلك حصل أيضاً في ظل ارتباط المجتمع المدني اللبناني بالمنظمات الدوليّة ومشاريعها وتمويلها.

وعلى مر السنين، نُسي الشعب الفلسطيني واختُزلت مخيماته في لبنان إلى بؤر أمنيّة. ورغم وجود هيئات رسميّة للعلاقات اللبنانيّة الفلسطينيّة، ورغم وجود سفارة لدولة فلسطين في بيروت، إلا أنَّ العلاقات اللبنانيّة الفلسطينيّة، بما في ذلك ما يتعلّق بشؤون اللاجئين على الأراضي اللبنانيّة، اختُصِرت، تقريباً، بالجانب الأمني.

هكذا، بُوشر بناء الجدار حول عين الحلوة ولم يُعرف له أبٌ غير المؤسسة الأمنية اللبنانية، بالتواطؤ مع الفصائل الفلسطينية. وفيما “تفاجأت” القوى السياسيّة اللبنانيّة به أو بردة الفعل الرافضة له، بقي المجتمع المدني اللبناني صامتاً غير معني. ورغم أن عدم خروج المجتمع المدني بمنظماته وجمعيّاته التقليدية عن النص الدولي ليس جديداً، إذ شهدنا غياب هذا المجتمع عن الحراك الشبابي الشعبي في تموز 2015 وقد استدرك بعضه الأمر، إلا أنّه مازال غياباً مفاجئاً، ولاسيما في استحقاقات قيميّة بأهميّة بناء جدران حول مخيّم للاجئين.

وسط ذلك، أهدت القوى السياسيّة إلى نفسها امتيازَ تجميد بناء الجدار، وبالتالي إسقاط الحجّة الأمنية التي ظللت هذا الفعل غير المبرّر. إذ إن التجميد بحد ذاته، ولو لم يتحوّل بعد قراراً نهائيّاً، يدلل على هشاشة الحجّة، أو على الأقل يدلل على وجود اجراءات أمنية أخرى كفيلة بمحاصرة البؤر الخارجة عن القانون، ومن دون مخالفة القانون والقيم التي يُفترض أن تحكم العلاقة بين لبنان واللاجئين.

ومن النتائج المأساوية لاستقالة المجتمع المدني اللبناني من دوره الاجتماعي والثقافي خارج المشاريع الممولة دوليّاً، تركه المواطنين الذين سبقوه إلى رفض الجدار عزلاً في مواجهة الآلة الأمنية التي يجعل وقوفها خلف مشروع الجدار كلَّ من يعترض مشوشاً على المصلحة الوطنيّة ولاعباً بالنار وربّما خادماً للإرهابيين وخططهم وأهدافهم.

فالمجتمع المدني التقليدي لم يظهر، في الاستقالة الاجتماعية الثقافيّة عموماً وفي موضوع الجدار خصوصاً، متراجعاً عن قوى السلطة السياسيّة فحسب، إنّما متخلّياً عن مساحات اجتماعيّة وثقافيّة واسعة لمصلحة الأمن وأيديولوجيّته وآلته الإعلاميّة.

وهذا مؤشّر خطير، إذ لا تقتصر نتائجه على المجتمع المدني ومكانته وصدقيّته، إنما تشمل صحة المواطنة والرأي العام وحياة المواطنين وثقافتهم وحريّتهم وخياراتهم وعلاقاتهم بالآخرين. وهذه العناوين يُفترض أنها من أركان المجتمع المدني وأدواره ومبررات وجوده.

التعليقات مغلقة.