ماذا حصل لمجموعات الحراك المدني

جبال النفايات المتراكمة في أحياء وسط العاصمة، والروائح المقزّزة، والجرذان، وأفواج الذباب، كلها تثير مخاوف من انتشار وباء ما. أشهرٌ مرّت على قرار الحكومة إغلاق مطمر الناعمة، والحكومة لم تجد بعد حلاً معقولاً مع استعداد المجتمع المدني لمسيرة جديدة مناهضة للفساد بتاريخ 22 تشرين الثاني، الذي يصادف يوم عيد الاستقلال في لبنان.

لكن يبدو بأنّ ادارة حراك اجتماعي ما في لبنان صعبة بقدر صعوبة تشكيل حكومة، كما يرى العديد من الناشطين. وكانت النفايات المكدّسة في الشوارع قد جعلت آلاف اللبنانيين ينزلون الى الشارع للتظاهر تحت شعار #طلعت_ريحتكم في شهر آب المنصرم، حيث طالب الناس بحلٍّ دائم للأزمة. وكانت “طلعت ريحتكم” عبارة عن مظلة حركة اجتماعية جمعت تحتها مدوّنين وناشطين في المجتمع المدني اجتمعوا أمام مبنى الحكومة اللبنانية في ساحة رياض الصلح وأقاموا اعتصامات.

وقد أطلق الناشطون حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تشجّع الناس على الانضمام الى الحركة. وتحوّلت المظاهرات الى عنيفة في نهاية شهر آب وبداية شهر أيلول، مع انقضاض القوى الأمنية على المتظاهرين بخراطيم المياه، والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع.

هذا ولم يحدث الكثير على مستوى الحكومة على الرغم من المظاهرات الكبيرة، لكن الحركة الاجتماعية نفسها مرّت في العديد من التغييرات، مع ترك العديد من المجموعات المظلة الأساسية بسبب الخلافات على تحديد الأهداف. بالإضافة الى ذلك، في حين كان بعض الناشطين يغادرون الحركة، انضمّت العديد من المنظمات غير الحكومية مثل الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات، وجمعية فرح العطاء، والأجندة القانونية الى المبادرة، وشكّلت لجنة تنسيق. ولكن تلك أيضاً خضعت لتغييرات.

“المجموعتان الأساسيتان – #بدنا_نحاسب و #طلعت_ريحتكم بشكل خاص – فضلّتا العمل بشكل مستقل”، قال الناشط مارك ضو لـNOW، مشيراً إلى أنّ المجموعتين لا تتشاركان الأهداف نفسها. “ناشطو بدنا نحاسب لم يكونوا مشاركين ناشطين في لجنة التنسيق منذ تشكيلها. فيما اعتبر منظّمو طلعت ريحتكم بأنهم قاموا بتضحيات لمساعدة لجنة التنسيق، فمنذ أن بدأوا المشاركة في اجتماعات اللجنة، كان عليهم تبنّي العديد من الشعارات السياسية. أرادوا لكل مجموعة أن تعمل باستقلالية وأن تنسّق مع المجموعات الأخرى فقط عند الحاجة الى ذلك، وبالتالي فقد قرروا أيضاً أن لا يكونوا جزءاً من اللجنة بعد الآن”.

كيف تغيّرت الأمور في الحراك؟

لجنة التنسيق هي المجموعة المنظّمة التي لا تزال تضم منظمات غير حكومية ونشطاء آخرين يمثلون العديد من المجموعات مثل “الشعب يريد”، و”التغيير جايي”، و”حلّوا عنّا”، و”شباب 22 آب”، و”المفكرة القانونية”، و”LADE”، و”فرح العطاء”، و”عكار منّا مزبلة”، ومجموعات أخرى صغرى.

ووفقاً لناشطين تحدّث إليهم NOW، تركت حركة “طلعت ريحتكم” لجنة التنسيق لأنهم أرادوا التركيز أكثر على الضغط على الدولة اللبنانية لحل أزمة النفايات كخطوة أولى نحو الاصلاح. وتركت مجموعة “بدنا نحاسب” اللجنة لأنّ لديهم أهداف سياسية مثل تغيير القانون الانتخابي والمحاسبة.

“المنظمات غير الحكومية، لا سيما LADE، وحركة المجتمع المدني، والمفكّرة القانونية، كانت القوة خلف تأسيس لجنة التنسيق. هذه المنظمات ليست سياسية وهي تراقب كافة النقاشات. وبالتالي لديها مصداقية وخبرة في ممارسة العمل الاجتماعي”، قال ضو لـNOW. وقد لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً كبيراً في الحركة. مثلاً ناشطو “المفكرة القانونية”، والمحامون المتعاونون، أخذوا على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن الناشطين الذين يُعتقلون خلال التظاهرات العديدة. وجمعية “فرح العطاء” بادرت الى تنظيف الشوارع وإزالة النفايات التي تسد الطرقات.

يقول ناشطون إنّ جماعتي “طلعت ريحتكم” و”بدنا نحاسب” تعاونتا مع لجنة التنسيق في البداية، ولكن من الواضح أنهما لم تعودا تتواصلان لاحقاً. “العديد من المجموعات تواجه مشاكل في التعاون مع بدنا نحاسب”، قال الناشط علي سليم، الذي يشكل جزءاً من “طلعت ريحتكم”، وأضاف: “كنّا جزءاً من لجنة التنسيق قبل أن نقرّر الانسحاب، “بدنا نحاسب” لم تشارك أبداً. لم يريدوا التعاون أبداً مع باقي المجموعات”.

ويقول إنّ الخلافات كانت بمعظمها متعلّقة بمطالب سياسية. “مثلاً، اخترنا شعار “كلّن يعني كلّن” لأننا نعتقد بأنّ كل سياسي – بشكل مباشر أو غير مباشر- هو على علاقة ما بالفساد”، قال سليم، وتابع: “وهذا يشمل سياسيين لم يظهروا أي فساد خلال مدة ولايتهم. “بدنا نحاسب” لم توافق على هذا الشعار لأنهم يريدون استثناء بعض السياسيين من هذه المعادلة، وباتت تلك مشكلة كبرى”.

وقالت نعمت بدرالدين، التي تشكّل جزءاً من “بدنا نحاسب” لـNOW إنّ المجموعة لم تتوقف عن التعاون مع أي كان، وأضافت: “دعينا الناس إلى المشاركة في مسيرة “طلعت ريحتكم” وشاركنا في مظاهراتهم. لسنا مجموعة سياسية. نحن مجموعة من الأفراد المستقلين الذين يعملون في السياسة. تهدف حركتنا الى الدفع نحو الاصلاح في أزمة النفايات، والكهرباء، والمياه، والـTVA، ومشاكل أخرى في لبنان. نعتقد بأنّ علينا معالجة العديد من المشاكل في الوقت نفسه”.

مسيرة يوم الاستقلال

توافق كافة المجموعات على ضرورة القيام بشيء ما في يوم الاستقلال. وخلافها الوحيد هو حول من توصّل الى هذه الفكرة. في الحقيقة، وفقاً لناشطين تحدّث إليهم NOW، فإنّ مجموعة “حلوّا عنّا” هي التي توصلّت الى خطة تنظيم مسيرة وطنية في يوم الاستقلال. كافة المجموعات وافقت على ذلك، إجراء مسيرة في هذا اليوم من شأنه التعبير عن شيء هام وكافة المجموعات يجب أن تشارك فيه.

إلاّ أنّ ناشطي “بدنا نحاسب” يقولون إنّهم من ابتكروا الفكرة. “أخذنا مبادرة تنظيم مسيرة في 22 تشرين الثاني، وسوف نقوم بالتواصل مع المجموعات المختلفة”، قالت بدر الدين. “هذه المسيرة لديها وجه وطني ونريد إشراك قطاعات مختلفة فيها- نقابات، مناطق، وحركات طالبية، وأساتذة جامعيين. الهدف من هذه المسيرة هو إعادة منح يوم الاستقلال في لبنان قيمته، لا سيما بعد العامين الماضيين عندما لم تجر أي احتفالات بالمناسبة”.

بدورهم يقول ناشطو “طلعت ريحتكم” إنهم المبادرون. “نريد تنظيم مسيرة واحدة. إلاً أنّ “بدنا نحاسب” أخذت المبادرة لتنظيم نشاط لوحدها، وهي عبارة عن مسيرة أخرى”، قال سليم، وتابع: “نحن أشبه بنملة تحارب حوتاً يمسك بخناق المؤسسات السياسية والاقتصادية كلها. وبالتالي فنحن بحاجة إلى المزيد من التوحّد. لا يمكننا الطلب من السياسيين أن يوافقوا على حل ما لأزمة النفايات عندما لا نكون نحن كمجموعات اجتماعية قادرين على الاتفاق مع بعضنا البعض”.

ويخشى ناشطون من مجموعات أخرى بأن تؤثّر هذه الخلافات على وجود داعمين في التجمّع. وقد عبّر العديد من الناشطين الذين تحدّث اليهم NOW عن مخاوفهم من حقيقة دخول السياسة الى الحراك. “نحن نتظاهر ضد أزمة النفايات، والمصالح السياسية”، قال ناشط طلب عدم كشف اسمه لـNOW، و”إذا كنّا نستطيع النجاح في أزمة النفايات، سوف يتمكن الناس من الوثوق فينا في قتالنا من أجل حقوقهم”.

التعليقات مغلقة.