لامع مَزاحم : يروي عن آخر يوم لعلي البزّال والمكالمة الهاتفية التي اودت بحياته

الدركي المحرر لامع مَزاحم

آخر سنة ونصف من حياته، عادلت الأربع وعشرين عاماً. خرج الدركي الشاب لامع مزاحم من عرين #النصرة إلى الحريّة مجدداً، مفعماً بالحياة، كلّه أمل وتطلّع نحو غد باسم وواعد. فرحته معدية. تراه يقفز في ساحة #رياض_الصلح من مقعد إلى آخر في الخيمة، مختبراً ما عاشه أهله وأهالي المخطوفين من ألم وأسى على فراقهم، منشغلاً في الدردشة مع الصحفيين. يبدو مرتبكاً قليلاً، متحمّساً أكثر، هو من أصبح فجأة في آب 2014 بطلاً، واليوم نجماً تتداول الوسائل الإعلامية اسمه ويتبارز الصحافيون للحصول على حديث منه. والدته هي من عانقت شاشة التلفاز بالأمس حين لمحته، فتشبّثت بها كما لو كانت أغلى ما لديها. مؤثر كان لقاء ذلك الشاب الذي ما زال على الرغم من تجربته القاسية، يحتفظ بشيء من براءته، وتلك الرجولية الطاغية على شخصيته والنضوج التي يبدو أنه اكتسبها مؤخراً…

الولادة الجديدة

ولد لامع اليوم من جديد مع عائلة جديدة تتألّف من 16 عسكريا وأهاليهم. في حديث لـ “النهار”، يوضح الدركي لامع مزحم “اليوم فتحت عينيّ على دنيا جديدة، وأشخاص جدد وأهلي وأحبابي… عالم جديد عليّ التأقلم معه من جديد. هذه أيّام صعبة ولكن علينا التكيّف معها لنعود ونعيش كما كنّا من قبل”. أمّا عن أوّل يوم من الحريّة فيقول أنه مميّز جداً، يتحدّث قليلاً عمّا قام به صباحاً قبل التوجه إلى بيروت “تناولت ترويقة مميّزة، وهي لفة جبنة وزهورات من يد الماما، وكم اشتقت لتناول الطعام من يديها”. لم تفرق نوعية الطعام على لامع، لأنه كان يأكل نفس الطعام فترة اختطافه، إنّما كان ينقص الطعام حينها حنان الأم، الذي عاد ولمسه اليوم في حضن أمّه، ويضيف مازحاً “أتوق لمعرفة ما حضّرته لي لوجبة غداء”. لم يضع لامع أيّ مشاريع بعد، مشيراً إلى أنه يفضّل أن يعيش “كلّ يوم بيومه. فأنا مشتاق لكلّ شيء… لم أقم بشيء مميّز مكان احتجازي، كنت أمضي وقتي مع رفاقي العسكريين حتى أصبحنا عائلة واحدة. كنّا نتسلى معاً نتحدّث عمّا كنا نفعله قبل فترة احتجازنا، كما كنّا نمضي وقتنا بالصلاة والتضرّع لله ليفرج عنا قريباً”.

المغامرة في أحضان النصرة

كغيره من #العسكريين المحرّرين، تحدّث لامع عن معاملة النصرة الحسنة، فقال “كانوا يتوجّهون إلينا بكلام جيد وحسن. ويقدمون لنا الطعام على مدّة أسبوع وكان علينا طهوه. كانوا ينضمون إلينا وقت الخبز (كنا نخبز)، ويتناولوا الطعام معنا ويتحدّثون إلينا، فيخبروننا قصصًا عن الدين”. وعما إذا أُرغِموا إلى اعتناق الدين الإسلامي قال “لقد حاولوا دعوتنا إلى اعتناق الإسلام ولكنهم لم يرغمونا على ذلك. لم يتسببوا بأيّ مشكلة لمن كان يرفض ذلك”. ويضيف أنهم “كانوا يدرّسوننا اللغة العربية والدين والقرآن، لم نكن ملزمين بتعلّم هذه الأمور إنّما كان علينا التصرّف هناك كما كانوا هم يتصرّفون. فلم نتمكن مثلاً من حلق لحيتنا لأنهم يطلقون لحيتهم هناك”.

معاناة التجربة

“كأيّ أسير لم نعرف مكان وجودنا، وكنا ننتقل من مكان إلى آخر معصوبي العينين. لم نتجرّأ على سؤالهم عن مكان تواجدنا كي لا يعتقدوا أننا ننوي الهرب، فتقبلنا وضعنا كما هو”. لم تخلُ التجربة من الخوف والرعب، إذ تحدّث مزاحم عن حالات نفسية كانت تنتاب بعض العسكريين “كانت هناك حالات انهيار قليلة في بادئ الأمر، وكنّا في أوّل فترة من خطفنا، وكان لدينا أمل قليل بالحريّة… كانت فترة صعبة. بعضنا مرض، إلاّ أنّ أفراد النصرة كانوا يجلبون لنا الطبيب والأدوية.” ويتحدّث أيضاً عن الخوف من القذائف والقصف “كنا نخاف في بادئ الأمر من القصف، فأصبح ذلك عادياً مع الوقت، فكنّا نعرف أنه يتمّ الآن القصف علينا وتأقلمنا مع ذلك. وكان المنتمين إلى النصرة يطمئنوننا أننا بخير فهم يريدون سلامتنا، فهم بحاجة لاسترجاع سجنائهم”.

عن مصير محمد حميّة وعلي البّزال

لم تتوفّر لدى لامع وزملائه أيّ معلومات عن مقتل حميّة والبزّال إلاّ أنه أفادنا بالآتي “أخذوا كلًّا من #محمد_حمية و#علي_البزال، قتل حميّة أولاً، ثم أعادوا علي إلينا. بعد مرور ما يقارب الشهر، لا أعلم ماذا حصل حتى نادوا علي ليتلقى مكالمة هاتفية فقتلوه عندها. من بعدها قالوا لنا “عليكم الأمان لن نقتل أحد منكم بعد”. كنا نعتقد أنّ دورنا مقبل إلاّ أنه تبيّن العكس.” وقال “كان حمية وعلي يشعران أنهما سيموتان، حمية قبل أن يأخذونه كان يبكي، كان يشعر بأنه سيموت”.

مخاض الحريّة

لم يكن من السهل على العسكريين تلقّي خبر الإفراج عنهم، فلطالما خذلوا بسبب المفاوضات التي فشلت. “لحظة الإفراج كانت فعلاً صعبة، كنا نعيش على أعصابنا، بين مصدقين وغير مصدقين، وصدمات، وخوف من إحباط العملية، وكم أصبنا بخيبات أمل بعدما قالوا لنا إننا سنتحرر ولم يحصل ذلك. إلاّ أنّ هذه المرّة كان قلبنا دليلنا، شعرنا أننا أصبحنا على أبواب الحريّة، فضبطنا أعصابنا قليلاً، لم نتمكن من النوم في آخر ثلاث ليالي، كنّا نسألهم طوال الوقت عن موعد الحريّة، وأن يخبرونا عن مستجدات الملف. وكنا لا نزال تحت تأثير الصدمة عندما أعلمونا أنه سيفرج عنّا، وكنا خائفين من حصول أيّ شيء ويعيدنا إلى نقطة الصفر. عندما أصبحنا مع الصليب الأحمر انتظرنا قليلاً إلى حين إدخال شاحنات التغذية قبل أن يعطونا الإذن بالرحيل. أمّا لحظة لقاء الأهل فلا توصف… ولدنا من جديد. الإنسان يتعلّم من نفسه، وكما يقول المثل “لا تعلّم إبنك اترك الدهر بعلمو””.

وبدوره شاركنا الوالد هادي مزاحم فرحته قائلاً “يوم الانتظار كنا هنا في هذه الخيمة أمام شاشة التلفاز هذه، كانت أمّ لامع متشبّثة بهذه الحديدة، أعصابها ترجف، تمثل مشهد الإعلام كما هو، تقترب تارة وتبتعد تارة أخرى مع السيارة، كغريق معلّق بهذه القشة. والفرحة لا يسعها قلبي، إنّما هناك غصة، فرحتنا لا تتم إلا بعودة المخطوفين لدى داعش. لم نصدق أنّ ابننا حرّ إلاّ حين وصل العسكريين إلى اللبوة، فنزل جبل عن ظهري، عشت لحظة لن أنساها في حياتي، لحظة بين الحياة والموت.” ويضيف ” أنعم الله علينا برجوعهم بالسلامة، بفضله وفضل اللواء عباس ابراهيم والرئيس تمام سلام، والوزير وائل أبو فاعور وكلّ الأيادي البيضاء التي وضعت يدها في هذا الملف. لامع ضنايا وقلبي، صورته لم تفارقني يوماً، لا أستطيع أن أصف ضمته لي لحظة رجوعه. أما شعور الأم فلا أستطيع أن أصفه أبداً، هي كل ما نظرت إلى ثيابه أو سريره في البيت، أو سمعت أيّ خبر يتعلق به أو بغيره كانت تبكي.”

يدخل لامع إلى القلب بسرعة، تجربته وتجربة العسكريين لا تترك المواطن على حاله، لا بل تشقلب كيانه وتجعله يشعر وكأنها حصلت معه. عرس الأمس للبنانيين جميعاً والفرحة لا تكتمل إلاّ بعودة مخطوفي #داعش.

التعليقات مغلقة.