هلا كففتم عن الرقص مع الشيطان

جندي أمريكي يرقص مع ضباط شرطة عراقيين في مدينة الرمادي


ليست هذه المرة الأولى حين يخرج علينا مسؤول أمريكي بمكاشفة صريحة عن عمله السابق، وبالطبع بعد أن يكون السيف قد سبق العَذَل.

فقد اعترف الفريق مايكل فلين رئيس هيئة الاستخبارات في البنتاغون، والذي ترأس الاستخبارات في العمليات المشتركة خلال حرب العراق، في حديث إلى مجلة “دير شبيغل” الألمانية، الأحد 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بأن غزو هذا البلد العربي كان خطأ فادحا، إذ “مهما كان صدام حسين قاسيا، فلم يكن القضاء عليه أمرا صائبا!”.

وأكد الجنرال الأمريكي أنه لو لم تقم الولايات المتحدة، بغزو العراق لما ظهر تنظيم “داعش” الإرهابي. وأضاف أن “الدرس التاريخي الكبير يتمثل في أن غزو العراق استراتيجيا كان قرارا بالغ السوء”.

وكان زميله القائد الأسبق لحلف شمال الأطلسي ويلسي كلارك قد قال مطلع هذا العام 2015: “نحن لم نفهم ماذا كان يقصد صدام حسين عندما قال في عام 2003 “إنكم ستفتحون أبواب جهنم إذا تمكنتم من إطاحتي”، والآن أصبح كل شيء واضحا..

وأضاف كلارك في حديث إلى قناة RTأن “الشرق الأوسط غرق في الفوضى، وتملَّك الناس الخوف””.

وأكد كلارك في مقابلةٍ مع قناةِ “سي إن إن” الأمريكية أن أمريكا هي، التي صنعت تنظيم “داعش” بتمويل من أصدقائها وحلفائها بهدف القضاء على “حزب الله”.

وكان رئيس وزراء فرنسا الأسبق (2005-2007) دومينيك دو فيلبان قد صرح في مقابلة متلفزة إثر الهجوم الدامي على مجلة “شارلي إيبدو” الأسبوعية مطلع العام الجاري 2015 بأن تنظيم “داعش” هو “الطفل الوحشي لتقلب وغطرسة السياسة الغربية..

ولكن دو فيلبان عندما كان وزيرا للخارجية في عام 2003، وخلافا للقادة العسكريين الأمريكيين، لم يقف مكتوف اليدين إبان الاستعداد لغزو العراق، بل ألقى الشاعر والخطيب المفوه كلمة بليغة ومؤثرة في مجلس الأمن من أجل تعطيل أو إرجاء القرار ببدء الحرب، وطار إلى البابا يوحنا بولس الثاني في روما، لمحاولة الحؤول ضد إنزال الديمقراطية إلى الدول الأخرى بواسطة المظلات، أو “حملها إليها على ظهور الصواريخ المجنحة”، كما قال في حينه وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف.

وبالطبع لم يكن العراق في عهد صدام حسين جمهورية أفلاطونية عادلة. بيد أنه لا يمكن إنكار علمانية الزعيم العراقي (مهما كان شكلها)، وعدم سماحه للتنظيمات التكفيرية برفع رأسها في العراق، وصون بلاد الرافدين من التشرذم القبلي ومن تفشي لوثة الطائفية.

وهو لم يكن أول حاكم علماني عربي يزيحه الغرب.

فقد أزاح الغرب الزعيم الليبي معمر القذافي، لتتحول بعده ليبيا إلى دولة فاشلة.

وقد دفعت الولايات المتحدة ثمنا غاليا لذلك تمثل في الهجوم، الذي شنه مسلحو ما يسمى بـ”أنصار الشريعة”، بعد عام من مقتل القذافي الوحشي، على القنصلية الأمريكية في بنغازي، ما أدى إلى موت السفير الأمريكي كريس ستيفينز البشع اختناقا من جراء الحريق، الذي نشب في مبنى القنصلية.

ودفعت فرنسا أيضا ثمنا غاليا لرقصها مع الشيطان بهجمات دامية في باريس تبناها “داعش”، منتصف الشهر الماضي، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 120 قتيلا، و200 جريح من الأبرياء.

وليست الولايات المتحدة وفرنسا هما الراقصين الوحيدين مع الشيطان.

إذ قال جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في العام الماضي إن “مشكلتنا الكبرى كانت حلفاءنا في المنطقة – أصدقاءنا الكبار الأتراك والسعوديين والإماراتيين وغيرهم. لأنَّ همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، ولذا شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة، وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات ألوف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين قبلوا بمقاتلة الأسد”.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً أن: “40 دولة تموّل الإرهاب، من بينها دول مشاركة في قمة العشرين!”

والسؤال الآن – هل يعود الراقصون الآخرون مع الشيطان إلى رشدهم قبل فوات الأوان ودفعهم أثمانا غاليا لنزعاتهم الجشعة والشريرة؟

حبيب فوعاني

التعليقات مغلقة.