حصيلة يوم السخرية الطويل من داعش

يوم السخرية من داعش

دعت مجموعة “أنونيموس” سابقاً الى جعل هذا اليوم، أي الجمعة الواقع في الحادي عشر من كانون الأوّل، يوماً للسخرية من تنظيم #داعش. فامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوات التهكّميّة التي من شأنها مبدئيّاً إثارة غيظ التنظيم والردّ على جرائمه من خلال تسخيف تهديداته وقياداته.

في كانون الثاني الماضي، نشر “داعش” شريطاً يظهر فيه اعتقال رهينتين يابانيّتين، حيث طالب الناطق باسم التنظيم حينها بمئتي مليون دولار مقابل الافراج عنهما. في الأيّام القليلة التي تلت نشر ذلك الفيديو، أطلق يابانيّون ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة “هاشتاغ” للسخرية من التنظيم الارهابي ومطالبه. ترجم موقع “ستوريفاي” الالكتروني حينها بعضاً من شعارات الحملة.

وظهرت رسوم كثيرة عبر التويتر فيها تعديل كاريكاتوري للمشاهد الأساسيّة الواردة في الشريط، من بينها رسومات لداعشي بقربه مقاتلون من النينجا، أو داعشيّ لابس خاتماً ثميناً يطالب بمئتي مليون دولار، مبلغ لو باع خاتمه لكان استطاع الحصول عليه. ونقل الموقع أنّ 55000 شخص استخدموا أحد الهاشتاغات خلال فترة قصيرة.

تُستخدم صيغ السخرية المختلفة في حالات الحروب لإزالة الخوف من النفوس أو للحطّ من شأن الأعداء. بيتر واين، بائع لبضائع يابانيّة على الانترنت أكّد ما شعر به الشعب الياباني حينها، فكتب عبر حسابه على موقع التويتر:”الرسالة هي التالية: يمكنكم قتل بعض منّا، لكنّ اليابان أرض مسالمة وسعيدة، وتملك سرعة في الانترنت. لذلك اذهبوا الى الجحيم”.

غير أنّ “ستوريفاي” نقل مشاعر أخرى عبّرت عن رفضها لتلك الحملة، لأنّه لا يمكن للشعب الياباني أن يرى أبناءه مهدّدين ولا يتصرّف إلّا عبر تركيب أو تعديل الصور على الشبكة العنكبوتيّة كما قال بعض المعترضين.

بعضٌ ممّا نشر

صور وفيديوات الاستهزاء كانت كثيرة، حيث سلّطت وسائل إعلاميّة عدّة حول العالم الضوء على بعض منها. صحيفة “الانديبندنت” البريطانيّة نشرت على موقعها الالكتروني شريط فيديو يظهر غسّالة فارغة وصلت عبر الكهرباء ثمّ رمى رجل حجراً بداخلها. وبعدما تحطّمت علت صيحات التكبير حولها. وفي الشريط الثاني ظهر شخص يضع سكّيناً داخل آلة لتحميص الخبز ثمّ يقوم بالتكبير بعد احتراق الآلة.

لا شكّ في أنّ الغربيّين بمعظمهم يجهلون أصول الفصل بين السخرية من التنظيم الارهابي والشعائر الاسلاميّة التي يتبعها، فيختلط معهم “الحابل بالنابل”. لكن ناشطين آخرين فضّلوا الاكتفاء بالسخرية من شخصيّات التنظيم القياديّة ومن بينها “جون الجهادي” الذي قتل أخيراً بإحدى الغارات. فمنهم من جعله واقفاً بسكّينه قرب سفّود لحم أو واقفاً في مطبخ حيث يستعدّ لقطع البصل. أمّا البعض الآخر فرسم مقاتلي “داعش” على شاكلة بطّات ملثّمة. مواقع أخرى مثل “دايلي دوت” حذّرت القرّاء من “أنّ المقال يحتوي صوراً قد يعتبرها القارئ مهينة أو غير آمنة وغير صالحة للعمل”.

وفي السياق نفسه، لفت موقع “أنونيموس” من جهته عبر التويتر، الى أنّ “هناك خيطاً رفيعاً بين الاستهزاء من “داعش” وإهانة المسلمين” طالباً من المتابعين والناشطين احترام مشاعرهم. ونشطت المجموعة اليوم عبر التويتر تسخر أو تنشر سخريات الآخرين على موقعها. فنشرت مثلاً مسحوق “داعش” واصفة إيّاه بأنّه يجمع ميزتين في عبوة واحدة، وجاء في الرسم:

“DAESH 2 IN 1: WASHES BRAINS ATTRACT STAINS” ومعناها :”داعش 2 في 1 يغسل الأدمغة ويجذب البقع”. ومن بين الصور أيضاً، امرأة تقود مقاتلة حربيّة وتقول لعناصر “داعش”:” لقد قُصفتم من قبل امرأة، اقضوا يوماً ممتعاً”.

في مفاعيل السخرية

راين مورو، محلّل أمني متخصّص بشؤون الارهاب، أخبر موقع “دايلي دوت” أنّ العديد من إرهابيّي “داعش” تركوا موقع تويتر ليلتجئوا الى مواقع أخرى مثل “آسك. أف أم” و”ترامبلر” و”تيليغرام” وغيرها. لكن على رغم ذلك، “ما زالت أعداد كبيرة منهم ناشطة على ذلك الموقع” وأضاف:” السخرية والأمور المشابهة تثير غيظ “داعش” لذلك أحبّ هذا نوعاً ما”.

الكاتب في موقع “إنترناشينال بيزنس تايمس” جيمي ليتش عدّ هذه السخرية جالبة لما سمّاه “ضحكة رخيصة”. فهو يقول:”الفكاهة أمر نادر في عالم الارهاب الدولي. لا يوجد الكثير من الضحكات في المجازر والذبح وقطع الرؤوس”. ويؤكّد أنّ التهكّم على “داعش” قد يكون مرحّباً به في بادئ الأمر، خصوصاً أنّ السخرية تجعلك “تكسب العقول والقلوب”.

لكنّه من جهة أخرى يرى تلك التندّرات عديمة الفاعليّة. فهي لن تغيّر شيئاً في الحرب ضدّ الإرهابيّين. ويشير الى أنّ السخرية قد تؤدّي الى تبيان نفاقهم عند محطّات عدّة خصوصاً إذا كان القصد إظهار الفرق بين “نسخة واقعهم ونسخة واقعنا نحن”. ولكي يؤدّي هذا الأمر مفعوله يجب أن يكون هناك، بدايةً، مشاركة لنفس القيم، لكنّ هذا غير موجود. من ناحية ثانية، وبما أنّ “داعش” يجذب المقاتلين اليه عبر سلخهم عن واقعهم، “يمكن للسخرية أن تؤذي أكثر ممّا يمكن لها أن تفيد” عبر تقوية شعورهم بالفرق بين ال”هم” وال “نحن”.

بالفعل، قد لا تؤدّي السخرية الى ما هو مرجوّ منها بحسب الكاتب، والتهكّم لن يوقف القتل ولا العمليّات الانتحاريّة، كما لن يوقف إجرامهم ونشرهم للإرهاب. لكن هناك طريقة تعبير حديثة عن المشاعر، يصعب أن يتمّ إيقافها أو برمجتها اليوم، وهي تلك التي تظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكنّ الأفكار لا تتوقّف عند هذا الحدّ.

فكرة بديلة؟

أبعد من استعمال أساليب السخرية، يقترح ليتش على مجموعة “أنونيموس” متابعة ما بدأت العمل عليه من استهداف لوسائل التواصل التي يستخدمها مقاتلو التنظيم لتنسيق عمليّاتهم الارهابيّة وتسويق أفكارهم إعلاميّاً، ممّا يؤدّي الى ضرب عمليّات التجنيد التي توقع الآلاف من الشبّان ضحايا له. ودعا أيضاً الى زيادة التنسيق والتعاون بين الشركات المالكة أو المشغّلة لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل الوصول الى هذه الأهداف.

في المحصّلة، سيمرّ يوم السخرية من “داعش” كغيره من الأيّام، من دون أن يكون قادراً على إيقاف أو تجفيف نهر الدماء الذي يسيل بسبب إرهابيّيه. والحرب العسكريّة، جويّة كانت أو برّيّة، قادرة حتماً على إنزال ضرر به أكثر من بضع رسوم كاريكاتوريّة. والحرب بشقّها الإعلاميّ أيضاً ستكون فعّالة أكثر من الاستهزاء. لكن على رغم كلّ هذه المسلّمات، يمكن أيضاً للسخرية المنضبطة – “إذا كانت فعلاً تكسب العقل والقلب” – أن تردع مؤيّدي “داعش” ومتتبّعيه على الصفحات الالكترونيّة من الانزلاق الى متاهاته والانضمام الى صفوفه، أو على الأقل التريّث قبل الإقدام على خطوات انتحاريّة كهذه.

إنّما في جميع الاحوال، يبقى على الخبراء الأمنيّين المتخصّصين في مكافحة الارهاب عبر الشبكة العنكبوتيّة، مراقبة تلك الظواهر من أجل استجلاء إيجابيّاتها أو حتّى سلبيّاتها على المديين المتوسّط والبعيد لإعادة صياغة استراتيجيّة تضرب الإرهاب بيد وتنشر الوعي والعلم بيد أخرى.

التعليقات مغلقة.