في مقابل تمسّك التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بقانون الانتخاب واستعادة الجنسية شرطاً لعقد جلسة تشريعية، كيف سيكون موقف تيار المستقبل، حليف أحد الحزبين المسيحيين؟ هل يقف معه أم يعارض مطالبه؟
مع تحديد هيئة مكتب المجلس جدول أعمال الجلسة النيابية العامة، وتضمينه بندَي استعادة الجنسية وتوزيع الاموال العائدة للبلديات مع تغييب قانون الانتخاب، بدأت تتضح الصورة الحقيقية لكيفية تعاطي القوى السياسية مع الملفات المطروحة للنقاش، والتي كانت من أسباب توقف أعمال المجلس النيابي لأشهر طويلة.
ومع تحديد رئيس المجلس نبيه بري موعداً للجلسة التشريعية، في 12 و13 الشهر الجاري، سينكشف تباعاً كثير من الاوراق المستورة التي ستدفع القوى السياسية الى كشف موقفها النهائي من القضايا المطروحة أمام الهيئة العامة، ما يمكن أن ينعكس بصورة واضحة على تحالفاتها الداخلية.
وإذا كانت القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لا يزالان مصرّين على وضع قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة العامة، مؤكدين مقاطعتهما إن لم يستجب مطلبهما، فإن العبرة اليوم تتعدى الميثاقية التي تطالب القوى المسيحية باحترامها لعقد جلسة تشريعية. في هذا الإطار، سيجد تيار المستقبل نفسه، أكثر من أي قوة سياسية أخرى، أمام تحدّ حقيقي، إذ سيكون مضطراً في نهاية المطاف، وبطريقة لا لبس فيها، إلى تحديد موقفه من قضيتين أساسيتين تعنيان القوى المسيحية عامة، وحليفه القوات اللبنانية في شكل خاص، وهما: استعادة الجنسية وقانون الانتخاب. وإذا كان المستقبل أبلغ عدداً من الشخصيات المسيحية أنه ملتزم الميثاقية وسيتضامن مع حلفائه المسيحيين إذا قاطعوا الجلسة النيابية، فإنه، في المقابل، لم يلتزم إقرار استعادة الجنسية بعد 12 عاماً على بدء مناقشته، ولم يوافق على وضع قانون الانتخاب على جدول الاعمال.
في الموضوع الأول، لا يتفاءل أيّ ممن يتعاطون بهذا الملف منذ سنوات، ولو للحظة واحدة، بأن تيار المستقبل سيوافق على استعادة الجنسية. محاضر نقاشات اللجان والاجتماعات الاساسية والجانبية كفيلة بإعطاء لمحة واضحة عن تحفّظ المستقبل، الى حدّ الرفض لهذا المشروع، والملاحظات والاعتراضات التي كان يبديها لا تزال نفسها، الامر الذي لا ينفيه نواب المستقبل ممن يتابعون هذا الملف. وإذا كانت أحكام الضرورة هي التي جعلت بري يوافق على وضع هذا المشروع على جدول أعمال الهيئة العامة، فإن المستقبل رضي به على مضض، من دون أن يعطي حتى الساعة موافقته النهائية، سواء لجهة صفة المعجل المكرر التي أعطيت للمشروع أو للمصادقة عليه وإقراره. وهذا الامر سيكون اختباراً حقيقياً للعلاقة بين المستقبل وحلفائه المسيحيين، القوات اللبنانية تحديداً، لأنها ساهمت مع التيار الوطني الحر في تقديم استعادة الجنسية الى مصاف المواضيع الاساسية لتشريع الضرورة. وهي لا تناور في تعاطيها مع ملف تعتبره في قلب النجاحات السياسية التي حققتها في الآونة الاخيرة، وخصوصاً بعد إعلان النوايا، الامر الذي يدفع الى الترقّب كيف سيتصرف حليفها السياسي في مقاربة مشروع تعلن على الملأ أنه إحدى أولوياتها الحالية.
أما قانون الانتخاب فيشكّل بالنسبة الى المستقبل عقدة العقد، كما يشكل بالنسبة الى القوى المسيحية مفصلاً أساسياً، إن بالنسبة الى التيار الوطني الحر الذي يريد تكريس حصته الحالية أو الامل بزيادتها ويطالب بقانون نسبي، وإن بالنسبة الى القوات التي يرى أحد السياسيين أنها الحزب الوحيد اليوم الممثل في المجلس النيابي بأقل من قدرته السياسية والتمثيلية الحقيقية، ما يجعلها تعوّل كثيراً على ضرورة إقرار قانون الانتخاب وتتعامل معه بوصفه إحدى أولوياتها، علماً بأن القوات ترفض النسبية بالمطلق، كما ترفض المشروع الذي يؤيده التيار الوطني، أي النسبية مع 15 دائرة انتخابية.
من يطّلع على نتائج انتخابات 2009 يدرك أن نسبة 30 في المئة على الاقل من مقاعد النواب السنّة ستكون من حصة قوى 8 آذار في أي قانون انتخابات نسبي، وما قد يخسره تكتل التغيير والاصلاح في النسبية في بعض الدوائر سيعوّضه في أخرى، مثله مثل مكوّنات 8 آذار الاخرى. لذا لا يريد المستقبل مناقشة قانون الانتخاب في هذه المرحلة، ولا النقاش حول النسبية. ومن شارك في اجتماعات هيئة مكتب المجلس يعرف أنه كان في الامكان وضع هذا البند على جدول الاعمال، خصوصاً في ظل التركيبة السياسية التي تتألف منها الهيئة، لكن تقاطع المصالح طيّر القانون عن الجدول. وبخلاف القوات اللبنانية الممثلة في هيئة المكتب، رفض المشاركون فيها مقاربة هذا الملف حالياً. فالنائب وليد جنبلاط يريد التخلص من عبء الموافقة على القانون المختلط الذي صاغه مع المستقبل والقوات، للخروج من مأزق المشروع الارثوذكسي.
يريد المستقبل والاشتراكي قانون 1960 من دون لبس أو حرج، وكل ما يقال خلاف ذلك هو من باب تضييع الوقت. وبحسب مطّلعين، «فإن أحداً منهما لا يريد التفريط بحصص مكفولة وفق القانون الحالي والرهان على قانون مجهولة نتائجه أو مشكوك في عدد الحصص التي تنتج منه». ولا يؤيد المستقبل مناقشة كل ما يدور في فلك النسبية، ومعه أيضاً بعض المسيحيين المستقلين من قوى 14 آذار الذين يعتبرون أي اعتماد للنسبية في أي وجه من وجوهها سيؤدي في بعض المناطق المسيحية الى خسارة مقاعدهم. وفق هذه الصورة يصبح استبعاد النقاش حول قانون الانتخاب عن الواجهة السياسية مطلباً ملحّاً لتفادي أي عثرة يمكن أن تؤدي الى إقرار قانون نسبي.
التعليقات مغلقة.