مطالبة بالطعن بإبطال استعادة الجنسية لتمييزه ضد المرأة

_دقّ المجتمع المدني أمس، ممثلاً بـ #المفكرة_القانونية وحملة #جنسيتي_حقّ_لي ولأسرتي»، أبواب السلطة القضائية الأعلى في لبنان، ممثلة بالمجلس الدستوري، مطالباً الانتصار لحقوق النساء تجاه الغبن اللاحق بهن في قانون استعادة الجنسية الرقم 41 الصادر في تشرين الثاني الماضي عن مجلس النواب.

وطالبت «المفكرة» والحملة في المجلس الدستوري بـ «إعلان اختصاصه للنظر في المسائل المطروحة في مذكرتهما، وفي مقدمتها مسألة التمييز على أساس الجنس، تمهيداً لاعتبار حصر حق استعادة الجنسية بوجود أصول أو أقارب ذكور لجهة الأب واردة أسماؤهم في أي من سجلات ١٩٢١ ـ ١٩٢٤ مقيمين ومهاجرين وسجل 1932 مهاجرين، تمييزاً ضد المرأة وخرقاً غير مبرر لمبدأ المساواة المكرّس دستورياً، واعتبار البندين ـ أ ـ وـ ب ـ من القانون 41، تبعاً لذلك باطلين لعدم دستوريتهما، مما يؤدي عملياً الى إبطال القانون برمّته».

وتأتي مذكرة المجتمع المدني في خطوة للاستفادة من الطعن الذي قدّمه نواب اللقاء الديموقراطي بقانون استعادة الجنسية، وكون المجلس معني بالبحث في كل مواد القانون وليس في المواد موضوع الطعن. ومع ذلك لم يتسلّم ديوان المجلس أمس المذكرة مع أنه تمّ تحديد موعد مسبق لمديري «المفكرة» المحامي نزار صاغية، وجمعية مجموعة الأبحاث والتدريب لينا أبو حبيب (التي بادرت لإطلاق حملة جنسيتي حق لي ولأسرتي)، لتسليمها للمجلس، بحضور حشد من أعضاء حملة جنسيتي وناشطين مدنيين ووسائل إعلام عدة.

ورداً على سبب عدم تسلّم المجلس المذكرة، أوضح رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان، الموجود حالياً في لندن، أن لا مكان لمذكرات مشابهة في المجلس الذي يقبل الطعون من رئيس الجمهورية ومن عشرة نواب ومن رؤساء الطوائف المعترَف بها في لبنان في قضايا محددة بطوائفهم. وأكد سليمان لـ «السفير» أن المجلس سيبحث بدستورية القانون برمّته إثر التقرير الذي يتم إعداده بعد عشرة أيام من تاريخ تقديم الطعن. ورفض سليمان الردّ عما إذا كان سيتم البحث في التمييز القائم ضد المرأة في «استعادة الجنسية»، تاركاً الموضوع لعمل المجلس وقراره النهائي.

وسواء تسلّم المجلس المذكرة، أم أخذ بها من الإعلام، كما أوضح رئيس الديوان لصاغية وأبو حبيب، فإن أهمية خطوة الأمس تكمن في تكريس المجلس، كما يجب أن يكون، «مرجعاً للبتّ في القضايا الاجتماعية»، وقضية المساواة بين الجنسين عامة، وفي نقل الجنسية اللبنانية تحديداً من أكثرها إلحاحاً، وفق روحية المذكرة.

وفي توطئة المذكرة، ذكّرت «المفكرة» و «الحملة» المجلس الدستوري بـ «أبشع أشكال التمييز ضد النساء في قانون الجنسية الرقم 15 تاريخ 19/1/1925، والذي خرج عن رقابة المجلس لكونه صدر قبل تأسيس الأخير بعقود مما سمح بـ «استمرار أحد أبشع أشكال التمييز ضد النساء تحت غطاء حجج واهية وغير عقلانية»، فإن هذا الطعن يسمح بـ «نقل النقاش للمرة الأولى من الساحة السياسية، بما فيها من تجاذبات فئوية إلى القضاء الدستوري بما يمثله من مرجعية حقوقية من شأنها ترسيخ المبادئ القانونية وتغليبها على المصالح الفئوية». وعليه، أمل المجتمع المدني من المجلس الدستوري «أن يُعيد طرح المسألة من زاوية الحقوق الدستورية، فيُصدر قراراً تاريخياً، ليس فقط في تكريس مبدأ المساواة بين الجنسين، إنما أيضاً في تكريس عُلوية الضوابط الدستورية وفي مقدمتها عدم التمييز على المصالح السياسية».

وبعد عرض مقتضب للوقائع لناحية إقرار القانون 41 الذي منح الحق باستعادة الجنسية اللبنانية للمتحدرين من أصل لبناني، محدداً الاستفادة منه بـ «كل شخص إذا كان مدرجاً اسمه هو أو اسم أحد أصوله الذكور لأبیه أو أقاربه الذكور لأبیه حتى الدرجة الثانیة على سجلات الإحصاء التي أجریت بعد إعلان دولة لبنان الكبیر أي سجلات ١٩٢١ ـ ١٩٢٤ مقيمين ومهاجرين وسجل 1932 مهاجرين، الموجودة لدى دوائر الأحوال الشخصیة في وزارة الداخلیة والبلدیات والذین لم یمارسوا حقهم باختیار الجنسیة اللبنانیة. شرط ألا یكون المدرَج اسمه على السجلات قد اختار صراحة أو ضمناً تابعیة إحدى الدول التي انفصلت عن السلطنة العثمانیة مع مراعاة واحترام أحكام الدستور».

وبعدما ذكّرت المذكرة بطعن نواب اللقاء الديموقراطي الـ 11 بالمراجعة رقم 1/9 للطعن بدستورية القانون لجهة الشرط المنصوص عليه، والمانع للحق «في استعادة الجنسية اللبنانية لكل من أُدرج اسمه على السجلات والذي قد اختار صراحة أو ضمناً تابعية إحدى الدول التي انفصلت عن السلطنة العثمانية». وطلبوا «إبطال الشرط المانع لباقي الأشخاص من استعادة جنسيتهم اللبنانية ووقف العمل به لحين تصحيح ما ورد فيه من أحكام مخالفة للدستور (…) الذي ضمن لجميع المواطنين المساواة في ما بينهم وعدم التمييز بين البشر، سواء لناحية الجنس أو العرق أو الدين أو الانتماء».

وفندت المذكرة الأسباب في القانون على صعيد الشكل حيث يحقّ للمجلس الدستوري إعادة البحث في بنود القانون كاملة، بما فيها تلك التي لم يشملها الطعن، ولمجرد تقديم المراجعة. واستندت المذكرة إلى أنه «لا يسع المجلس أثناء نظره في مدى مطابقة قانون ما على الدستور، أن يتجاهل نصاً مخالفاً للدستور، ولو لم يكن محل طعن من قبل المستدعي، دون أن يضعه موضوع رقابته وإبطاله إذا اقتضى الأمر، في حال اعتباره مخالفاً للدستور».

أما في الأساس فقد رأت المذكرة «وجوب إعلان عدم دستورية أحكام البندين ـ أ ـ وـ ب ـ من القانون لمخالفتهما مبدأي المساواة وعدم التمييز على أساس الجنس، والقانون برمّته لمخالفته مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.

وبعد تفنيد أسباب وجوب إبطال البندين ـ أ ـ وـ ب ـ من القانون على خلفية التمييز الحاصل على أساس الجنس، اعتمدت المذكرة الأسناد الدستورية لعدّ التمييز على أساس الجنس مخالفاً لأحكام الدستور الذي ينص في مقدمته، وفي المادة السابعة منه على المساواة بين الجنسين. ورأت في البندين أ و ب تكريساً لشرط تمييزي واضح على أساس الجنس، حيث أوجدا وضعاً تمييزياً بين الذكور والإناث، بين الأم والأب، بحيث لا يعتدّ للاستفادة من أحكام القانون إلا بإثبات الأصول اللبنانية لجهة الأب، بالعودة إلى اسم أحد الأصول الذكور للأب، أو الأقارب الذكور للأب، مع التمييز ضدّ لبنانيّي الأصل من جهة الأم أو الأصول الإناث.

كما تمّ التذكير بالمواثيق الدولية المعتمَدة كجزء لا يتجزأ من مقدمة الدستور، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ودحضت المذكرة أيضاً الأسباب القانونية والاستثنائية التي تبرر الخروج عن مبدأ المساواة، ومنها التحفظ على بعض مواد اتفاقية سيداو الخاصة بإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وكذلك عدم استقامة تبرير التمييز بحق المرأة بمنع التوطين، وانتفاء الأسباب الاستثنائية التي تبرر الخروج عن مبدأ المساواة، كما جاء صراحة في تقرير اللجنة الوزارية الصادر في 2012 الخاصة بمنح المرأة جنسيتها لأسرتها.

وطالبت المذكرة بعد ذلك المجلس بـ «إسقاط تبرير الشرط التمييزي ضد المرأة الذي يضعه قانون استعادة الجنسية والقيود على مبدأ المساواة بوجود «مصلحة عليا»، مفصلة في وجوب إبطال القانون برمّته على خلفية التمييز الحاصل بين المواطنين في الحقوق والواجبات. واستنتجت «المفكرة» والحملة أنه بتكريس القانون 41 حقاً باستعادة الجنسية «بدون أي موجب، قد أوجد أرضيّة للتمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات، بما يخالف مبدأي عدم التمييز والمساواة المتمتّعين بقيمة دستورية»، لتطالبا المجلس باعتبار «البندين ـ أ ـ وـ ب ـ من القانون باطلين لعدم دستوريتهما، مما يؤدي عملياً الى إبطال القانون برمّته».

التعليقات مغلقة.