هذا حلٌّ طبيعي لتلوث الليطاني يوفر 50%

يقف أهالي قرى البقاعين الأوسط والغربي على صفتَي نهر الليطاني أمام الكارثة البيئية الأكبر التي أصابت النهر الأطول والأهم في لبنان، والذي يعدّ شريان حياة لآلاف من أهالي المنطقة واللبنانيين ومصدر رزقهم.

السكن على ضفاف النهر بات ينذر بموت بطيء. فالسموم على أنواعها تصب في مجراه. الروائح المنبعثة من مياهه تفوق قدرة البشر على التحمّل. والأمراض السرطانية غزت القرى البقاعية، وتغزو اللبنانيين كافة بحكم استهلاكهم المنتجات الزراعية المروية من النهر المسموم.

بدايةً، كان لقرار الحكومة التحرّك لمعالجة هذه الكارثة، وقع المفاجأة من خارج السياق، في منطقة يبدو جلياً لأهلها أن “الدولة” لم تُعنَ يوماً بشؤونها. لكن ثقة البقاعيين، رغم كثرة المبادرات والخطط المطروحة، ليست كبيرة. فالاتفاقية الموقّعة أخيراً بين وزارة المال والبنك الدولي ومجلس الإنماء والاعمار بكلفة 55 مليون دولار لـ”الحد من تلوّث بحيرة القرعون”، لا تبدو لكثيرين في المنطقة خطة شاملة تعالج الكارثة من المنبع إلى المصب. ومشروع قانون تنظيف مجرى الليطاني بتكلفة عالية جداً تصل إلى 880 مليون دولار، مازال ينتظر انعقاد مجلس النواب لإقراره .

“المدن” إلتقت مجموعة من الخبراء البيئيين الذين سبق لهم ان عملوا على دراسات متخصصة في مجال معالجة تلوّث الأنهار بالطرق البيئية، أبرزها الطرق النباتية التي تراعي التوازن البيئي فيها، وبكلفة قد تصل إلى أقل بـ50% من كلفة إنشاء وتشغيل وصيانة المحطات التقليدية. وحصلت “المدن” على دراسة تُظهر عيوب الخطط التقليدية التي تحدّثت عنها جهات حكومية لمعالجة كارثة الليطاني، مقدّمةً معالجات صديقة للبيئة معتمدة في معظم الدول المتقدّمة وصالحة للتطبيق بسهولة في لبنان. ما يطرح التساؤلات حول جدوى المشاريع المكلفة والغاية منها.

تتحدّث الدراسة عن عيوب إنشاء واستخدام محطات معالجة تقليدية خاصة في المناطق الريفية مثل منطقة البقاع. ومنها الكلفة العالية لربط عدد كبير من القرى بشبكة صرف صحي، من المصدر إلى المحطة، إضافة إلى المشاكل والآثار البيئية التي ستظهر خلال إنشاء الشبكة والتجهيزات الاحتياطية المطلوبة، مع عدم توافر قطع الغيار والكادر الفني للتشغيل والصيانة. ومن عيوب هذه المحطات أنها تحتاج إلى طاقة عالية للتشغيل على مدار السنة، وإدارة محكمة وصحية وبيئية للترسبات وطرق معالجتها وتوفر أماكن خاصة لها، منعاً لانبعاث الروائح وتلوث الهواء.

وبحسب الدراسة، فإنّ الدول والهيئات العلمية البيئية، طوّرت أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي أو لأي مصدر مائي ملوث صناعياً أو من أي أنشطة أخرى، بالطرق الطبيعية المستدامة دون أي أثر سلبي على المنظومة البيئية، وذلك عبر تصميم وإنشاء محطات معالجة صديقة للبيئة ذات وظائف ومواصفات عالية توفر الراحة والسلامة والأمان لمستخدميها وللبيئة المحيطة، من خلال أحواض مزروعة بالنباتات (الأراضي الرطبة المصطنعة)، قادرة طبيعياً على إزالة الملوثات من مياه المجاري.

وبالتالي، تحسين مواصفات المياه المعالجة قبل تصريفها أو إعادة استخدامها في عمليات ري الحدائق والأشجار والمحاصيل الزراعية والنباتات الأخرى. ويعتبر محيط مجرى نهر الليطاني خصوصاً ومنطقة البقاع والأراضي اللبنانية عموماً، بيئة مناسبة جداً لتطوير هذه المحطات الطبيعية، خصوصاً أن أنواع النباتات الصالحة لهذه المنظومة (ما يُعرف بالقصب النهري) متوفرة في لبنان.

مراحل المعالجة بالنباتات

المرحلة الأولى المرحلة الثانية المرحلة الثالثة
1- ضخ مياه الصرف الصحي الى أحواض النباتات
2- جريان المياه تحت سطح مكونات التربة
3- ترشيح المياه الى الأسفل
4- إزالة المركبات الصلبة
5- تمعدن المواد الصلبة العالقة
6- نقل المياه بعد التصفية الى أحواض جديدة
7- المعالجة البيولوجية
8- النترتة
9- التطهير
10- استخدام المياه المعالجة في الري

خصائص مياه الصرف الصحي قبل وبعد المعالجة

تشير النتائج والبيانات أعلاه بأن محطات المعالجة بالنباتات تمثل تقنيات معالجة فعّالة أثبتت كفاءتها وقدرتها على تحقيق المواصفات السليمة والمرغوبة لمياه الصرف المعالجة لغرض استخدامات مختلفة عن طريق إزالة 95 إلى 100 % من الملوثات المختلفة وبكلفة قد تصل إلى أقل بـ50% من كلفة إنشاء وتشغيل وصيانة المحطات التقليدية، إضافة إلى المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية. وبذلك يمكن لهذه المنظومة، وفق الدراسة، أن تسهم في تحقيق وإنجاز عودة الليطاني الأخضر والتغلب على الإرهاب البيئي. وبالتالي، دعم التنمية المستدامة للمنطقة والدولة.

حلول مقترحة

1- تشكيل لجنة (دون منفعة مالية أو محسوبيات سياسية) من البلديات كلها والهيئات العامة الحكومية وغير الحكومية وهيئة مشروع الليطاني من أجل الترشيد والمراقبة.

2- العمل على ترشيد استهلاك المياه وخفض النفايات وادارتها.

3- تطوير لائحة المبيدات الممنوع استيرادها أو تصنيعها محلياً (منع المبيدات المحظورة دولياً).

4- إلزام المعامل والمصانع بمعالجة النفايات السائلة وإدارة متكاملة للنفايات الأخرى.

5- تنظيف المجرى بحيث لا يؤثر على النباتات النامية داخل المجرى أو على ضفافه، كما يجب إدارة المواد المعزولة (مواد ملوثة وخطيرة جداً) من المجرى بطرق علمية بيئية بحيث لا تشكل ضرراً بيئياً على الأماكن التي سترمى أو تدفن فيها دون معالجة. وبناء عليه، فإن اقتراح التنظيف أي إزاحة المواد من المجرى خطير (ناهيك بإزاحة المواد والنفايات الصلبة) ومكلف. عليه، يمكن معالجة مكونات المجرى من نباتات وتربة ومياه بنفس طريقة المعالجة الطبيعية أي تحويل المجرى نفسه إلى محطات معالجة في مواقع مختلفة تختار حسب الدراسة الأولية للمجرى. وبهذا تستخدم الأموال المخصصة للتنظيف في سبيل إنشاء المحطات لمعالجة الملوثات القائمة في المجرى والجديدة المتدفقة من القرى والمحيط إلى المجرى، وكذلك زرع نباتات داخل المجرى ذات كفاءة عالية في معالجة الملوثات.

6- إنشاء محطات معالجة طبيعية باستخدام النباتات لكل قرية أو مدينة. وبالتالي، تزداد الواحات الخضراء، ويتم استخدام المياه المعالجة لاستخدامات الري المختلفة وللإنشاءات. وهذا الحل يعد البديل من إنشاء شبكات ضخمة مترابطة من عدة قرى إلى محطة مركزية واحدة كما هو مقترح من الجهات الحكومية، التي بدورها تسبب آثاراً بيئية وتكاليف عالية خلال التنفيذ والتشغيل، خصوصاً بسبب التوزيع الجغرافي للقرى والمسافات بينها.

7- إنشاء محطات معالجة طبيعية باستخدام النباتات على ضفاف مجرى الليطاني حيث المساحات متوافرة، أو جعل المجرى نفسه أحواضاً للمعالجة القائمة وللمياه المتدفقه في المجرى. وهذه المحطات لا تحتاج إلى طاقة للتشغيل خصوصاً بوجود مشكلة التيار الكهربائي في لبنان.

8- يمكن لكل بلدية الاستفادة من المياه المعالجة عن طريق بيع المياه إلى المزارعين أو المقاولين بأسعار أقل من التي تدفع لأصحاب الآبار الإرتوازية، أو استخدامها في ري الحدائق والأشجار.

التعليقات مغلقة.