عون راجع عَ بعبدا

كتبت صحيفة “الجمهورية”: أيام حاسمة تفصل ما بين الأزمة الرئاسية التي طال أمدها وبين حلم العونيين بوصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا. أجيال عدّة كبرت على ذلك الحلم منذ تبوُّء عون سدّة الحكومة الإنتقالية عام 1988، صراعات وحروب طبعت تلك المرحلة، خيبات ونكسات، ورغم كلّ الصعوبات بقيَ عون في نظر شريحة من اللبنانيين المرشّح الدائم للعودة الى بعبدا.إذا كان الحزب “الشيوعي” ينطلق من العقيدة الماركسية، والحزب “السوري القومي الاجتماعي” يهدف الى بناء سوريا الكبرى، وحزب “البعث” يحلم بالوحدة العربية، وأحزاب “القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”الوطنيين الأحرار” تبني عقيدتها على أساس نهائية الكيان اللبناني وعدم السماح بذوبانه في محيطه، فإنّ لـ “التيار الوطني الحر” أو العونيين عقيدة خاصة بهم وهدفاً يعتبرونه سامياً، لا يتحقّق إلّا بوصول عون الى قصر بعبدا.

في عزّ التظاهرات التي كانت تنزل الى الشارع متحديةً الوجود السوري، وأثناء نفي عون الى فرنسا، كان شباب “التيار” يصرخون الى جانب شعار “حرية، سيادة، استقلال”، “عون راجع عَ بعبدا”، و”قصر بعبدا لميشال عون”.

كانت تُعتبر هذه الشعارات في تلك المرحلة ضرباً من الجنون، وتراوح عقوبتها ما بين ملاحقتهم والتضييق عليهم أو سجنهم على اعتبار أنهم مسّوا بالمحرمات وتفوّهوا بعبارات من غير المسموح النطق بها.

تتبدل السياسة باستمرار، السجّان يصبح مسجوناً، والمسجون يعيش حراً طليقاً، والمَنفي يعود الى أرضه، ويرحل مَن كان يحتلّ الأرض وتشتعل النار في دياره، تقلبات كثيرة حدثت بعد 13 تشرين 1990: مِن نفي عون وتسليم لبنان الى سوريا الى تطبيق اتفاق “الطائف” إستنسابياً، وخروج المسيحيين من السلطة واضطهادهم وملاحقة شبانهم وسجن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وفشل محادثات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية وإغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين عام 1995، والانسحاب الإسرائيلي عام 2000 الى أحداث 11 أيلول التي غيّرت الاستراتيجية الأميركية في العالم والشرق الأوسط وأدت الى الحرب في أفغانستان والعراق وصولاً الى صدور القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري، كلّ تلك الأحداث لم تُتعب العونيين وظلّت حناجرهم تصدح في ساحة الشهداء في 14 آذار 2005: “عون راجع ع بعبدا”.

عاد عون من المنفى في 7 أيار 2005، واكتشف العونيون أنّ الواقع السياسي والتركيبات الداخلية التي بنيت أيام الاحتلال السوري أصلب من الاحتلال، فمن قصر الشعب وخطابات عون الرنانة الى الرابية، أحداث كثيرة تبدّلت، وتحالفات تغيّرت وأوراق تفاهم مع ألدّ الخصوم صيغت، وبقي عون والعونيون يحلمون بالرئاسة.

اليوم، ومع ارتفاع منسوب التفاؤل في الرابية بقرب إعلان الرئيس سعد الحريري تبنّي ترشيح عون بعدما رشحته “القوات” سابقاً، يبقى الحذرُ مخيّماً على الجمهور البرتقالي خصوصاً أنّ خيبات الأمل تلاحق الجميع، ويبدو حتى الساعة أن لا قرار إقليمياً واضحاً بتبنّي عون، لكنّ كلّ ذلك لم يمنع العونيين من التحضير للاحتفالية الكبرى إن حصلت، وإلّا فالخيبة ستكون قاتلة هذه المرة.

كُثر تمنّوا تبوُّء عون المنصب الأوّل، وسكر العونيون على مدى 26 عاماً بأغاني تحضّر للعودة المظفرة، قد تكون “بعبدا حجارة مشتاقة” لكنّ العونيين مشتاقون أكثر.

جيل كان يحجّ الى قصر الشعب بات قسم كبير منه خارج “التيار”، وآخرون اعتكفوا وفئة انضمت الى بقية الأحزاب، وجيل ما بعد “الطائف” الذي واجه الإحتلال تشتت، منهم مَن بقي عونياً وآخرون إنفصلوا أو فُصلوا ولن يتسنّى لهم عيش لحظ عودة الجنرال الى بعبدا إن تمّت من على مقاعد “التيار”، فيما هناك شريحة نمت بعد عودته من المنفى تحبّه كما هو “العماد العنيد الذي يقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع”.

التعليقات مغلقة.