هل اصبحت الطائرة الاسرائيلية في طهران

«نحن الاسرائيليين، بتنا كمن يمشي في الظلام وهو يحمل فانوسا، لكنه لا يشعله، ويسأل نفسه»… بحق الجحيم، كيف يمكن الخروج من هذه الظلمة»، هذا هو حال الاجهزة العسكرية والاستخبارية الاسرائيلية، في صراعها المديد مع «حزب الله»، وفق وصف امنون شاحاك الذي ترأس اركان جيش الاحتلال قبل سنوات… ليختصر التخبط السائد في اوساط جنرلات الحرب بصورة كاريكاتورية.

ووفق الرؤية الاسرائيلية هذه، فان الفانوس الاسرائيلي كان مطفأ في ايار العام 2000، يوم اندحر المحتل عن ما سمي انذاك بـ «الشريط الحدودي» في جنوب لبنان، وهو يوم شكل المحطة الابرز في تاريخ المقاومة الوطنية ضد الاحتلال، كذلك كان الفانوس مطفأ خلال عدوان تموز عام 2006، وها هو يبدو مطفأ.

امام تنامي قدرات «حزب الله القتالية والصاروخية، سيما وان هذه القدرات الآخذة الى التحديث والتطوير منذ توقف العدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان قبل احد عشر عاما، وتزامن في السنوات الخمس الماضية تمرسا لمقاتلي «حزب الله» واداته العسكرية التي وصفها كبار المحللين العسكريين الاسرائيلي بانهم باتوا جيشا بكل ما للكلمة من معنى.

…داخل الكيان الاسرائيلي، وفي اوساط اجهزته الامنية والاستخبارية، اُطلقت «نظرية» الرياح التي هبت على مناطق في فلسطين المحتلة، وصلت الى 90 كيلومتراً في الساعة، فتفكك بالون المراقبة وتعطلت اجهزة الرصد!…

الى ان انتشر خبر سقوط طائرة تجسس مسيّرة اسرائيلية من نوع «روخف شمايم» في جنوب لبنان في المنطقة الواقعة بين اللبونة وعلما الشعب الحدودية، وتداولت وسائل اعلام صهيونية تقديرات الموقف الاسرائيلي من سقوط او اسقاط الطائرة، واشارت الى ان المعطيات الأولية لم تؤكد بعد، ما إذا كان فقدان التواصل معها ناجما عن عطل تقني أو بواسطة جهة معادية، وأنه يجري العمل على تفحص سبب فقدان التواصل والسيطرة على الطائرة.

الحظر الاعلامي لـ «حزب الله» على الطائرة… خيب آمال الاسرائيليين

الطائرة «تبخرت».. وغابت صورها وهي محاطة بمقاتلي «حزب الله»، بعد الحظر الاعلامي المفروض من قبل الحزب، حرصا منه على الحاق المزيد من ارباك العدو واخفاء ما يفترض ان ينتظره من معلومات او صور عن حالة الطائرة ووضعيتها، وهو امر تعاطى معه «حزب الله» على ان سر عسكري فائق الاهمية ينبغي الحفاظ عليه.

والابتعاد عن الاستعراضات الاعلامية التي ينتظرها المحللون العسكريون الصهاينة، لاخضاع صور الطائرة وتحليلها، ولدرس الموقف وتحديد الاضرار الامنية والاستخبارية التي لحقت بهم، جراء سقوط الطائرة، فاكتفى «حزب الله» ببيان مقتضب شكل صدمة لدى الاسرائيليين «الطائرة اصبحت في مكان آمن».

فيما «شكا» الاسرائيليون من «ان بيان «حزب الله» لم يكشف المكان الدقيق الذي عثر فيه على الطائرة المفقودة، ولم يتحدث عن حالة الطائرة حتى أنه لم ينشر صوراً لها»، وفق ما نقله موقع «يديعوت احرونوت» الصهيوني، سيما وان الاسرائيليين لم يخفوا اهمية الطائرة من الناحية التكنولوجية والاستخباراتية، فاطلقوا مخاوفهم من ان تصل الى ايران المهتمة كثيراً بالحصول على هذه الغنيمة لفحصها ودرس أساليب تشويش عملها قالوا هذا وهم على يقين بان الطائرة قد تكون قد اصحبت في طهران منذ اللحظات الاولى للسيطرة عليها.

ما زاد من الارباك الاسرائيلي، الساعات التي تمر من دون ان يصدر عن «حزب الله»، ولو اشارة حول سقوط او توجيه طائرة التجسس الاسرائيلية في منطقة اللبونة ـ عيتا الشعب في جنوب لبنان قبل ايام، في وقت حرك الاسرائيليون ماكينتهم الامنية والاستخبارية لكشف الاسباب التي ادت الى حصول مثل هذه الفضيحة الامنية، سيما وان اداتها طائرة تجسس متطور.

لطالما فاخر الاسرائيليون بمدى حداثتها وتطورها وفعاليتها في المجال الامني الاستخباري والتجسسي، وهم نجحوا في تسويق الطائرة في اسواق السلاح العالمية، حيث سُجل «تهافت» على شرائها، فيما الواضح ان افخر الصناعات العسكرية الصهيونية، تسقط في الوحل اللبناني، وهو ما دلت عليه الهزائم خلال ايام العدوان على لبنان في تموز العام 2006، والتي يفضل الاسرائيليون ان يسمونها «نكسات».

وكعادة من يفقد موقعا استراتيجيا من الناحية العسكرية، يسارع للتقليل من اهميته وقيمته في مسار المعركة، ضخِّ قادة الاحتلال الاسرائيلي سيلا من المعلومات يزعمون فيها ان الطائرة «التي تحطمت فوق الاراضي اللبنانية» وهو اقرار فاضح بخرق القرار الدولي 1701، لم تحتوِ على معلومات حساسة، مشيرة الى ان «حزب الله» وضع يده عليها، وزعمت الاوساط الامنية الصهيونية.

وعبر وسائل اعلام محسوبة عليها، ولفت موقع «والاه» الصهيوني، ان الامر يتعلق بطائرة من دون طيار، اصغر من الطائرات التي يستخدمها الجيش الاسرائيلي، وهي تحلق لمسافات قصيرة، تبث الى مشغلها صورا عن المكان الذي تقوم تلك الطائرة بمراقبته، من دون أن تخزن معلومات في داخلها.

اسقاط الطائرة ضمن الاراضي اللبنانية الواقعة عند الحدود مع فلسطين المحتلة، اربك قادة الاحتلال واجهزته الاستخبارية، الامر الذي دفع المؤسسة العسكرية الصهيونية الى اجراء تحقيق لتوضيح ما جرى وظروف سقوطها، ونقل الموقع عن مصادر امنية صهيونية، انه من غير الواضح في هذه المرحلة، تحديد ما اذا كان سقوطها ناتجاً عن حادث تقني، كأسلوب التشغيل أو نفاذ البطارية، ما يبقي باب الاحتمالات مفتوحاً على مصراعيه لتبيان ملابسات الحادثة.

مذكرا ان هذا النوع من الطائرات دخل في الخدمة العسكرية الاسرائيلية قبل اكثر من عشر سنوات، وانتشر استخدامها على نطاق واسع بهدف مساعدة القوات التكتيكية على جمع المعلومات الاستخباراتية في الوقت الحقيقي خلال حالة الطوارىء.

يبقى المشهد في ملف سقوط طائرة تجسس معادية في الجانب اللبناني من الحدود، غير متكمل بغياب التعامل اللبناني الرسمي مع الحدث وهو تعامل مصاب بالعجز، و«النخوة» اللبنانية في الدفاع عن السيادة لم تحركها حال الارباك الاسرائيلية… بطرق باب مجلس الامن الدولي وتقديم شكوى حول الانتهاك الصارخ للسيادة اللبنانية.

محمود زيات

التعليقات مغلقة.