سوريا مصغرة شمال لبنان : نازحون اشتروا الأرض و75 ألف استقرّوا فيها

قد لا يبدو مستغرباً أن تتحول إحدى الحارات في منطقة وادي خالد شمال لبنان إلى تجمع لعائلة سورية واحدة، ما أدَّى إلى أن تصبح حارة “آل حمادة” بعد شراء أعيانها نحو 7000 متر مربع من الأراضي، حيث يعيش حالياً المئات منها.

منطقة وادي خالد، التي يبلغ مجمل عدد سكانها 45 ألف نسمة، تستضيف منذ سنوات 75 ألف نازح سوري، أتى معظمهم من مناطق محافظة حمص المتاخمة. ورغم انتهاء المواجهات العسكرية في قراهم وبلداتهم منذ العام 2014، لم يعودوا إليها بعد باعتبار أن معظمها خاضع حالياً لسيطرة “حزب الله” والنظام السوري، فيما الأغلبية الساحقة منهم في صف المعارضة السورية.

لم يغير عدد النازحين في وادي خالد كثيراً من معالم المنطقة ذات الطبيعة الخلابة، بخلاف ما هو حاصل مثلاً في كثير من قرى وبلدات البقاع اللبناني. فقد قرر أهالي وأعيان المنطقة منذ وصول أول موجة من النازحين في العام 2012 فتح مدارسهم وبيوتهم لاستقبالهم، ورفضوا كلياً فكرة إنشاء مخيمات وتركهم في خيم، وظلوا على قرارهم هذا في السنوات التي توالت ما أدى لاستقرار 75 ألف شخص في غرف ومنازل سكنوا فيها مجاناً في البداية، فيما عاد بعضهم لاستئجارها، أو حتى شرائها في وقت لاحق.

والأراضي في منطقة وادي خالد التي يشتريها السوريون، هي أراض غير مسجلة رسمياً، ويحمل مالكوها أوراق إثبات ملكية ممهورة لدى المختار أو كاتب العدل ويثبتها شهود. بالتالي لا يحمل مالكوها الجدد صكوك ملكية من الدوائر العقارية اللبنانية، علماً بأن طريقة البيع تتم بالاسترضاء بين البائع والشاري، وتثبت بصك بيع يثبته المختار أو كاتب العدل.

وتشكل ظاهرة شراء المنازل، وبخاصة الأراضي، مصدر قلق لبعض سكان وادي خالد، الذين يعتبرون أن كل من بات يملك أرضاً أو منزلاً في المنطقة لن يفكر بالعودة إلى سوريا، حتى ولو انتهت الأزمة بشكل كلي، الأمر الذي يرجحه أيضاً فادي الأسعد، رئيس اتحاد بلديات وادي خالد. وتحدث لـ”الشرق الأوسط” عن “أعداد كبيرة من السوريين باتوا يمتلكون أراض في المنطقة”، لافتاً إلى أن “ذلك من شأنه أن يهدد بشكل مباشر عودتهم إلى بلادهم، وإن كان عدد من اللبنانيين يمتلك كذلك عقارات كبيرة في المناطق السورية المتاخمة”.

ويستبعد الأسعد ما يتم تداوله عن إمكانية انطلاق عملية مصالحات وواسطات في المدى المنظور لعودة النازحين الموجودين في وادي خالد إلى بلداتهم وقراهم، موضحاً أن للمنطقة التي نزحوا منها “خصوصية معينة ما يرجح فرضية أن يكونوا آخر نازحين يعودون إلى سوريا بعد التوصل لحل نهائي للأزمة في بلادهم”.

نور الدين الأحمد، رئيس بلدية وادي خالد، يبدو أكثر تفاؤلاً في هذا المجال، وإن كان يؤكد أن لا دور على الإطلاق لفعاليات المنطقة بأي تواصل مع الأطراف في الجانب السوري لتأمين عودة النازحين. ويؤكد الأحمد لـ”الشرق الأوسط” أن لا خشية من بقاء النازحين السوريين في البلدات اللبنانية، لافتاً إلى أن من اشتروا أراضٍ في وادي خالد، وبلغ عددهم نحو 40 عائلة، تربطهم صلات قرابة بأهالي المنطقة.

ويضيف: “مثلاً آل حمادة الذين تم إطلاق اسم إحدى الحارات في حنيدر على اسمهم، لهم أقارب لبنانيون من العائلة نفسها تم تجنيسهم في العام 1994”.

ويُجمع الأسعد والأحمد على وجود حسنات وسيئات للنزوح السوري على منطقة وادي خالد الواقعة في محافظة عكار، التي ظلت حتى الماضي القريب منسية من قبل الدولة، ولا تعني بشيء الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية. ويشير الأسعد إلى أنه “ونتيجة وجود عدد كبير من النازحين السوريين تم إنشاء شبكة صرف صحي ما كنا لنتمكن من إنشائها، نظراً لكلفتها العالية لولا تمويلها من جهات مانحة، تماماً كما تم استحداث شبكة مياه باتت تغطي 75 في المائة من المنطقة”.

أما الأحمد فيتحدث عن حركة اقتصادية كبيرة تشهدها المنطقة منذ بدء توافد النازحين، لافتاً في المقابل إلى تفاقم ظاهرة زواج أبناء وادي خالد من سوريات، وهو ما يشكل برأيه إحدى سلبيات النزوح.

التعليقات مغلقة.