تطوّر بارز في حرب إسرائيل مع حزب الله ورسالة إيرانية أحدثت ضجّة

بعد أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض التي عاشها لبنان في أواخر هذا العام، والتي عاد عنها من خلال عودته الى لبنان وتجديد التزام كلّ المكوّنات السياسية في الحكومة بسياسة النأي بالنفس عن نزاعات أو صراعات أو حروب المنطقة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، يبدو أنّ الوضع المستقرّ سيسود في لبنان خلال فترة الأعياد ومع بداية العام الجديد وخلال الأشهر المقبلة منه.

فجولة زعيم “عصائب أهل الحقّ” العراقية قيس الخزعلي عند الحدود الجنوبية وتحديداً عند بوّابة فاطمة في كفركلا، برفقة عنصر من “حزب الله” باللباس العسكري، والتي أحدثت ضجّة عارمة في لبنان وقيل عنها “إنّها رسالة إيرانية متعددة الأهداف لدوائر القرار الوطنية والعربية والدولية، مفادها أنّ الحرس الثوري الايراني هو الذي يتحكّم بقرار المنطقة السياسي والأمني والعسكري”، كما لإظهار أن “لا وجود في لبنان للدولة”، قد مرّت، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية بارزة، مرور الكرام.

والتزام “حزب الله” كمكوّن سياسي داخل حكومة الحريري بمبدأ النأي بالنفس قد أدّى الغرض منه على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، والدليل أنّه حتى قيام “أنصار الله” في اليمن بإطلاق صاروخ بركان “2 أتش” الباليستي على قصر اليمامة في الرياض، واعتراضه وتدميره منذ أيّام، لم يُحدث أي مشكلة لا مع إيران ولا مع “حزب الله” من قبل السعودية.

ومن هنا، فإنّ استقرار الوضع في لبنان، وتأكيد التزامه بالقرار الدولي 1701 الذي خرقته إسرائيل أكثر من 11 ألف مرّة منذ العام 2006 وحتى اليوم، هو قرار دولي ثابت، ظهر بشكل واضح من خلال أداء الدول أثناء إعلان الحريري عن استقالته من الرياض. فوقوف مصر الى جانب لبنان في هذه الأزمة هي تأكيد على أهمية استقرار لبنان بالنسبة للدول العربية، واهتمام فرنسا وانكبابها على حلّ الأزمة بالسرعة الفائقة التي حصلت هو كذلك، على ما شدّدت، تأكيد على أهمية المحافظة على التهدئة والإستقرار في هذا البلد بالنسبة للدول الأوروبية ككلّ.

حتى أنّ الولايات المتحدة الأميركية التي اعتقدت السعودية أنّها ستقف الى جانبها عندما احتجزت الحريري وأرغمته على تقديم استقالته من خارج البلاد لأنّ إيران و”حزب الله” يتدخّلان في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، خذلتها، والدليل موافقتها على التسوية وإعادة الوضع في لبنان الى ما كان عليه قبل الإستقالة. فضلاً عن استمرارها في تقديم المساعدات العسكرية للجيش كونها تثق بالدولة اللبنانية كما بقدرات عناصر المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية اللبنانية في مجال مكافحة الإرهاب.

ولأنّ زيارة الخزعلي لم تكن رسالة للداخل اللبناني، على ما أكّدت، بل للداخل الإسرائيلي، مفادها أنّ أي حماقة تُقدم عليها إسرائيل ضدّ لبنان أو أي جهة أخرى ستواجه بمقاتلين ليس فقط من لبنان بل من العراق واليمن أيضاً، فإنّ معلومات موثوقة أشارت الى أنّ “حزب الله”، كما إسرائيل ليسا في وارد الدخول في حرب جديدة في هذه المرحلة. وهذا قرار فعلي يتخذه كلّ من الجانبين، إلاّ أنّ الخطر بنشوب حرب بينهما يبقى قائماً لا سيما إذا ما حدث أمر ما لم يكن في الحسبان.

ولعلّ انكباب إسرائيل على إقامة الجدار الفاصل على الخط الأزرق، والذي يهدف الى ضمّ أراضِ لبنانية الى الأراضي الفلسطينية المحتلّة التي تسيطر عليها، يهدف كذلك، على ما ألمحت، الى سدّ الباب نهائياً في وجه الحرب بينها وبين “حزب الله” في لبنان، على ما تطمح إسرائيل، لأنّ هذا الأمر يُقلق راحتها وراحة مواطنيها منذ حرب تموز 2006. فإذا حضّرت لهذه الحرب تكون قلقة، وإذا هدّدت بشنّها فهي قلقة، وإذا قامت أو لم تقم بها فهي لا ترتاح.

من هنا، ذكرت الأوساط أنّه أحد أسباب نيّتها في بناء الجدار هو إقفال باب الحرب مع “حزب الله” نهائياً من دون أي قرارات أو اتفاقات دولية، إنّما من خلال بناء جدار فاصل وعالٍ يمنع أي من الطرفين إزعاج الطرف الآخر. إلاّ أنّ الأمور لا تُحلّ بمثل هذه البساطة إذ لا يزال على إسرائيل أن تنسحب من الأراضي اللبنانية المحتّلة لا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر لا أن تسعى الى ضمّها الى الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها من خلال الغشّ أو بناء جدار على الخط الأزرق الذي لا يُمثّل الحدود الرسمية للدول اللبنانية.

ولهذا فليس المطلوب اليوم من لبنان عموماً، ومن “حزب الله” خصوصاً، على ما أضافت، تقديم صكّ براءته لدول الخارج، أو لترجمة مبدأ النأي بالنفس على الأرض من خلال تأكيد انسحابه العسكري من سوريا، أو عدم تدخّله السياسي في اليمن وما الى ذلك، لا سيما بعد أن تمّت الموافقة على التزامه بهذا المبدأ. وبناء عليه، فالحزب يدري ما عليه فعله خلال الأشهر المقبلة، كما أنّ الدول المنزعجة من تدخّلاته التزمت بعدم الإعلان عن انزعاجها هذا على شكل تهديد ووعيد أو ما شابه ذلك.

دوللي بشعلاني

التعليقات مغلقة.