عن شورتات شرطيات برمانا

فلنكن صريحين ولنتفق على بعض الأمور الأساسية: المشكلة ليست تحديداً في “شورتات” قصيرة لبستها فتيات “ولاد جامعات” على حدّ وصف إحداهنّ للإعلام. والمشكلة ليست في طول الشروال أو قصره أو لونه، ولا حتى في ما إذا ألصقت عليه شارة “بوليس” أم لم تُلصق! وهي ليست في عمر الشابات حتماً، علماً بأنهنّ راشدات كونهنّ قد أصبحن في مرحلة الجامعة، وهذه نقطة رئيسية نصرّ عليها إذ كان كلّ ما سيكتب في السطور الآتية لينطبق تماماً على سيدات بعمر الثلاثين أو الأربعين أو اي عمر كان (الأمر يختلف طبعاً في حال كانت الفتيات مراهقات أو في عمر الطفولة)! والمشكلة ليست مع شخص رئيس البلدية ولا مع البلدة المتنية السياحية.

وهي ليست نابعة من غيرة، أو كبت، أو ازدواجية في المواقف والآراء والشعارات، كما حاول أن يوحي بعض المدافعين عن الخطوة التي اتخذتها بلدية برمانا مؤخراً والمتمثلة بإلباس فتيات تعاقدت معهنّ كشرطيات، “شورتات” قصيرة خلال تأديتهنّ مهامهنّ والتي لم تعدّ واضحة للصراحة!

لا، لعلّها واضحة! لقد قام رئيس البلدية بيار الأشقر، وهو أيضاً نقيب أصحاب الفنادق في لبنان، بتوضيح ذلك للإعلام والرأي العام، بثقة تامّة. أقرّ وأصرّ على أن الهدف من هذه الخطوة هو “مواجهة الخوف الذي يبديه الأجانب من زيارة لبنان والتفتيش عن أسواق جديدة من السياح لأن الصورة عن لبنان من الخارج مختلفة عن داخله” (جريدة الأخبار).

أقرّ الأشقر وأصرّ مجدداً على أنّ “بلدية برمانا اتخذت قراراً بهذا الموضوع لإحداث صدمة ولفت النظر الى بلدة سياحية، وإيصال رسالة وصورة جميلة عن لبنان المنفتح والجاذب للسياح والسهر وحب الحياة وليس بلد الموت”.

وقال مضيفاً (لجريدة النهار) إنّ “العديد من ممثلي الدول والمكاتب السياحية في الخارج ابلغونا خلال الاجتماعات التي عقدت في وزارة السياحة ان هناك صورة قاتمة عن لبنان وهذا ما لا يشجع السياح على القدوم، فكانت خطوتنا لإظهار لبنان بلد انفتاح، فهل الشورت صار عيبا؟”.

تقول الناشطة النسوية مايا العمّار في حديث لـ “لبنان24” إنّ “رئيس البلدية يحاول، دفاعاً عن الخطوة التي اتخذها، تحويل النقاش إلى مكان آخر وذلك عبر تصوير المنتقدين والمعارضين على أنهم ينتمون إلى التيار الرجعي والمتخلف والذي لا يحبّ الحياة والرقص والسهر والسياحة، فيما يضع المدافعين في خانة التقدميين والمتحررين”، معقبة:” لكنّ الإشكالية في الحقيقة ليست هنا”!

وتشرح العمّار:”لقد ورد على لسان رئيس البلدية نفسه أن السياحة في لبنان ليست في أفضل أحوالها لأن هناك صورة قاتمة عن البلد، وهو أراد بالتالي أن يقوم بحركة تجذب النظر إلى بلدة برمانا وتحضّ العدد الأكبر من السياح على زيارتها، وهو بذلك كمن يقول ويعترف بأنه استخدم تلك الأجساد للفت الانتباه وإنعاش السياحة!! هذا الأمر هو بالتحديد التعريف البديهي لاستخدام النساء لغرض معيّن، هو غالباً غرض ربحي”.

وتعتبر العمّار أنه حتى لو كانت نوايا رئيس البلدية “بريئة” ولا تهدف فعلاً إلى استخدام الفتيات وتسليعهنّ، إلا أنّ ما حدث، أي تلك الممارسة تعني ذلك، شئنا أم أبينا!

ولا تحبذّ العمار الدخول في متاهة طرح أسئلة جدلية مثل “هل ألبس رئيس البلدية الرجال الشرطيين أيضاً شورتات قصيرة؟”، إذ تعتبر أنّه في نهاية المطاف الاعتراض هو على الهدف من هذه الخطوة وتشييء الجسد لجذب الانتباه بهذه الطريقة، وعلى تصوير الوظيفة البلدية كوظيفة استعراضية.

وتعبّر العمّار عن أسفها إزاء ما يحدث للمرأة في لبنان ولا سيّما لناحية أنه “كلّما نجحنا في إبراز دور المرأة في السلك الأمني أو في شرطة بلدية محلية، يأتي من يعيدنا خطوات إلى الوراء عبر تنميط هذا الحضور واختصاره بالشكل المثير والجاذب فقط”!

باختصار، المشكلة ليست في “الشورتات”. المشكلة في تأطير القضية بخيطان تلك “الشورتات” وحدها بما يأخذها إلى أماكن أخرى. المشكلة في مقاربة الموضوع بسطحية، وبعجل، ومن دون الإحاطة بالواقع المعيوش في لبنان.

المشكلة في الاستنسابية، قولاً وفعلاً. مثلاً، هل كان على لائحة رئيس البلدية عنصر نسائي في الانتخابات البلدية عام 2010؟ وهل ضمّت لائحته الانتخابية في العام 2016 أكثر من سيدة واحدة؟!

المشكلة في مقاربة القضية بشكل يتمّ فيه ربط تسليع المرأة حصراً بارتدائها ملابس تظهر جسدها، وإسقاط هذا “الجرم” عن المرتكب في حال كانت الثياب محتشمة! فلنكن واضحين: إنّ فرض أي زيّ على المرأة لمجرد ربطه بإشكالية قد تولد من “لحمها وشحمها”، هو إمعان واضح في تسليع جسدها أو تعييبه وبالتالي السماح لربطه بموروثات خاطئة.

المشكلة أننا لسنا في السويد كي ننظر إلى ارتداء شرطية شورتاً أم حتى “بيكيني” من دون أن نقول:”في الأمر إنّ”. نحن في لبنان أيها الأعزاء، حيث بالأمس الأمس اقتحم رجل برفقة القوى الأمنية منزل طليقته ليأخذ ابنهما بقوة القضاء الشرعي، ومن دون أي مراعاة لنفسية ذلك الطفل حتى.

نحن في لبنان حيث لا تزال الأم عاجزة عن منح الجنسية لأولادها فيما تعطى الهوية اللبنانية لأشخاص تطرح حولهم علامات استفهام. نحن في لبنان حيث لا نعرف ما إذا كانت الحكومة العتيدة ستكون مناصفة بين الرجال والنساء (وهذا أشبه بالحلم) أو اقلّه ما إذا كانت ستضمّ وجوهاً نسائية.

نحن في لبنان حيث المجلس النيابي مؤلف من أكثرية ذكورية ساحقة ، والجميع يبتسم أمام الكاميرا. نحن في لبنان حيث لم يكن التحرّش جريمة حتى الأمس القريب، ولم يكن الاغتصاب الزوجي كذلك، ولم يكن تزويج القاصرات بقضية مهمة، ولم يكن القتل دفاعاً عن الشرف…بجريمة!

نحن في لبنان حيث لا يزال في قوانينا قانون قديم يحرّم على النساء ارتداء “الشورت”، فيما يغفل أصحاب السعادة عن إسقاطه في العام 2018!

اللائحة تطول وتطول، لكن ثمة من لا يزال مصرّاً على التباهي بدفاعه عن شرطية ترتدي شورتاً لدى تنظيمها السير، إلى جانب شرطيّ مزوّد ربما بمعدات أمنية! ثمة من لا يزال مصرّاً على أن يساوي نظره بطول الشورت القصير!

ربيكا سليمان

التعليقات مغلقة.