عون و فرنجيّه : الملك والوصيف

سليمان فرنجية خلال لقائه ميشال عون

محاولة قيادة “8 آذار” التفتيش عن إيجابيّات ونجاحات في لقاء الرابيه بين ميشال عون وسليمان فرنجيّه، إلى حدّ التباهي بتقديم مرشّحَيْن من صلبها، تكشف مدى هشاشة العلاقة بين أطراف هذا الفريق السياسي، ومدى تسخيف الاستحقاق الرئاسي وتهزيل الموقع الأوّل للبنانيّين، وخصوصاً المسيحيّين.

وكأنّ هذا الاستحقاق الدستوري الوطني المفصلي تحوّل لدى هؤلاء إلى ما يشبه انتخاب ملكات الجمال، بين ملكة ووصيفة أُولى ووصيفة ثانية.

عون ملك، فرنجيّه وصيف أوّل .. والبحث عن وصيف ثانٍ. والمشكلة أنّ الأوّل ليس ملكاً والثاني يرفض أن يكون وصيفاً، ولم يقبل سابقاً بأقلّ من بطريرك!

هذا، في الواقع، ما يحاول “حزب الله” تسريبه والترويج لنجاحه في جمع الحليفين اللدودين في اللحظة الأخيرة، بعدما كان فرنجيّة استنكف عن التوجّه للقاء عون بعد البيان الصادر قبل ليلة عن “التكتّل” وفيه غمز خبيث من “مرشّح الفرصة” وتذكيره بأنّه مجرّد عضو – جندي وليس في موقع قائد هذا “التكتّل”.

كان لدى قيادة “حزب الله” همّ أو هاجس واحد لجمع حليفيها: تثبيت “الخطّ الاستراتيجي” وتكريس انتمائهما إليه. وهذا هو الأمر الوحيد الذي اتفقا عليه بحكم عجزهما عن الخروج منه أو التخفيف من وطأته.

والنتيجة التي ظهرت من ثنايا لقاء الغريمين هي أنّ “حزب الله” استطاع تطيير الاستحقاق، من خلال تشجيعهما على التنافس والتصادم والاستمرار معاً في الترشّح تحت شعار “الخطّ”، بما يبرّر تأجيل انتخاب الرئيس إلى ما بعد ما بعد الجلسة 33، يوم الأربعاء المقبل.

أمّا لماذا يرغب في استمرار الشغور الرئاسي، فمسألة ترتبط مباشرةً بالحساب الإيراني. طهران لم تصل بعد إلى فرز أوراقها في المنطقة، أين تعطي وأين تأخذ، من اليمن إلى العراق وسوريّا ولبنان. وموازين القوى لم تتّضح بعد. وهي تنتظر نجاحاً ما هنا أو هناك كي تفاوض وتبيع وتشتري.
وما يمكن تقديره، أنّ لا مصلحة لإيران الآن، وتالياً “حزب الله”، في وجود رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة، حتّى ولو كان من خطّها وحليفاً لها، ومن صقور “8 آذار” كفرنجيه وعون وسواهما.

تدرك إيران أنّ رئيس الجمهوريّة في لبنان يصبح جزءاً من النسيج الإقليمي والدولي، ومرتبطاً بمصالح لبنان العليا، وليس ورقة لتغطية مشروعها. وهناك تجربتان سابقتان تعلّمت منهما: فلا لصيق محورها آميل لحّود استطاع أن يقدّم خدمات فعليّة لمشروعها، ولا الوسطي ميشال سليمان مشى في ركاب “جبهة الممانعة والمقاومة”.

هذا الحساب يجعلها تمتنع الآن عن تسهيل وصول رئيس للبنان، كامل الشرعيّة، وهي غير قادرة على دمجه في مشروعها بفعل وجود قوى دوليّة وعربيّة وإقليميّة وازنة لا تسمح بكسر التوازنات لمصلحة طهران.

بينما الوضع الراهن، مع غياب شرعيّة الرئيس، يناسب سياستها، إذ يكتفي “حزب الله” بـ”القشرة الشرعيّة” الواهية التي تؤمّنها له الحكومة اللاحكومة، ويعتبر أنّ ذلك يوفّر له غطاء أفضل من أيّ رئيس محكوم بالسياسة الدوليّة والإقليميّة.

والواضح أنّ صمت “حزب الله” الموصوف بـ”الألماسي” ناتج عن ارتباك مفتعل أمام ترشيح فرنجيّه. والصحيح أنّه وجد في هذا الترشيح فرصة ذهبيّة لتحقيق أمرين: تكريس الفراغ الرئاسي، وتقوية ارتباط حليفيه به عبر اللعب على تنافسهما.

ولكنّه، ومن حيث لا يريد أو يدري، أحدث صدمة وعي في أوصال “14 آذار” التي اهتزّت بقوّة. وجاء الكلام من الرابيه عن “الحلف الاستراتيجي” حافزاً لإعادة تصليب تحالفها وترتيب شؤون بيتها على أسسها الثابتة التي أطلقت ثورة الأرز.

ربّ ضارّةٍ نافعة. فقوى “14 آذار” كانت في حاجة إلى صدمة بعد سنتين من التراخي والخلافات والصراعات. قد تكون الصدمة مقصودة أو رمية من غير رامٍ. فالمهم أنّ ترشيح فرنجيّة، بسلبيّاته وإيجابيّاته، أعاد تنظيم الحسابات وتسديد الخطى.

أمّا الحديث عن خاسر أكبر هو الرئيس سعد الحريري، ورابح أكبر هو تحالف “8 آذار”، ففيه الكثير من التسرّع وسياسة الأمنيات. على المدى المتوسّط سيتم إنصاف حسن النيّة، وربما الرؤية، عند الحريري، سياسيّاً وشعبيّاً، ولبننتة التحرّك الرئاسي سلباً أو إيجاباً.

كما ستتّضح هوائيّة المقولة بأنّ “مبادرة الحريري” كرّست الرئاسة الأُولى لـ “8 آذار”، ولا يمكن بعد اليوم التراجع عن هذا الالتزام.

في الحقيقة، مع تراجع حظوظ فرنجيّه، لم تتقدّم حظوظ عون. فالفرص لا تتكرّر إلى الأبد، وتاريخ انتخابات الرئاسة في لبنان يحمل أكثر من وعد أو قرار نام عليه رؤساء واستيقظوا على سواهم، ومن بينهم أهمّ رجالات آل فرنجيّه أنفسهم. فكيف بمن يعد نفسه بالرئاسة منذ 30 سنة ويحرق الفرصة تلو الأُخرى وأُولاها كانت سنة 1988 بتسريبة من حافظ الأسد نفسه، وهي الآن تبعد عنه مسافات ضوئيّة.

المنطق السياسي يقول بأنّ تعطيل “الفرصة” يعني البحث عن بدائل، والبديل لا يمكن أن يكون من جنس الأصيل. لذلك، سيتّجه الاهتمام اللبناني والإقليمي والدولي إلى بديل توافقي بعد سقوط تجارب مرشّحيّ التحدّي والكسر. وقد بدأ سفراء الدول يجسّون النبض حول البديل.
وهكذا تسقط صفقة رئيس جمهوريّة من “8 آذار” ورئيس حكومة من “14 آذار”، مع توزيع سلّة الغنائم.

ومعها تسقط حكماً معادلة الملك والوصيف، بما فيها من إهانة للموقع والعقل والكرامة.

الياس الزغبي

التعليقات مغلقة.