حزب الله ومعركته ضد الفساد : هل كبّر حجره ؟

منذ أن قرّر “حزب الله” الإنخراط الكلي في الحياة السياسية من بابها الواسع، بعد معاركه الطويلة في سوريا، والتي ساهم في جزء منها ببقاء الرئيس السوري على رأس السلطة، إتخذ عنوانًا عريضًا لمعركته السياسية، وهو “مكافحة الفساد”، الذي سبقه إليها كثيرون من دون أن يلمس اللبنانيون تغييرًا، ولو واحدًا في المئة.

حتى أن بعض الذين خاضوا هذه التجربة من قبله “رفعوا العشرة” وقرروا الإستسلام للواقع، الذي تفرضه تركيبة النظام السياسي في لبنان والقائم على المحاصصة الطائفية، وهي من بين الأسباب المباشرة التي جعلت أي سلاح يُرفع في وجه هذا “الكارتيل”، يذوب في نار المصالح المتقاطعة بين هذا الفريق أو ذاك من أهل السلطة.

وفي إعتقاد بعض الذين أخذوا مهمة “مكافحة الفساد” على محمل الجدّ، أن أي معركة ضد “أشباح” سيكون مصيرها الفشل، وهذا ما أعترف به الرئيس فؤاد شهاب، بعد إنتهاء ولايته، عندما سئل عن أكبر مشكلة واجهته في خلال توليه الرئاسة، فكان جوابه: “كنت أحلم بأن أبني وطنًا لا فساد فيه، لكني فشلت”.

فإذا كان الرئيس شهاب، وهو المعروف عنه تجردّه، وقد مات فقيرًا، لم يستطع أن يحارب “الأشباح”، فهل يستطيع غيره إنجاز ما عجز عنه؟

لا شك في أن القوى السياسية، ومن خلال المداخلات النيابية في جلسات مناقشة البيان الوزاري، تخوض معركة تنافسية قد تكون بمفاعيلها أشبه بـ”العراضات” ومن باب باب المزايدة بعضها على بعض لما لشعار “مكافحة الفساد” من شعبوية، وما يمكن أن تحقّقه، أقله نظريًا، من مكاسب آنية كتعويض عن بعض الفشل، الذي ساد في الفترة الأخيرة في كثير من الملفات، التي لها علاقة مباشرة بحياة الناس.

فهل كبّر “حزب الله” حجره في معركته ضد الفساد؟

سؤال كبير يبقى مرهونًا بما يمكن أن يحققه في الإدارات التابعة لوزارته، وبالأخصّ في وزارة الصحة، ولو أن بعض المطلعين على حيثيات قرار الحزب يعترفون بأن القيمين على هذا الملف يتعاطون مع حيثياته بكثير من الواقعية، وهم وإن كانوا قد دخلوا إلى عمق السياسة المحلية بتفاصيلها، التي كانوا في منأى عنها في الفترات السابقة، لم يوهموا الناس، وفي طليعتهم ناسهم، بأنهم قادرون على تحقيق المعجزات.

وهم يعرفون تمام المعرفة أن “ابواب الجحيم” ستفتح في وجوههم، وهم على حدّ ما يُسرّب من معلومات، سيبدأون بأنفسهم، وسيبادرون إلى رفع الغطاء عن أي فاسد قد تكون له صلة مباشرة أو غير مباشرة بالحزب، من دون أن يشكّل ذلك لهم بعض المشاكل الضيقة، التي هم في غنىً عنها.

إلاّ أن الحزب يرى أن “المعركة الإصلاحية” أصبحت أكثر من ضرورية لوقف النزيف المالي الذي من شأنه إغراق المركب بمَن فيه، خصوصًا أن البيان الوزاري أشار إلى هذه النقطة بالذات، حين تحدث عن وجود ثقوبات كثيرة في المركب المتواجد عليه جميع اللبنانيين، كبيرهم وصغيرهم، وهو يدرك تمام الإدراك أنّ السواد الأعظم من اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم، تؤيد هذه الحملة.

وهو بذلك سيجد نفسه في مواجهة الجميع في معركة مفتوحة، مع حرصه على أن تكون علاقاته متوازنة مع جميع المكونات السياسية، وهو أقدم على ما أقدم عليه مع النائب نواف الموسوي حين تجاوز الخطوط الحمر المسموح بها، تحت سقف الطائف القائم على التوازنات.

اندريه قصاص

التعليقات مغلقة.