مليارات الجمعيات بحماية الدولة !

لا يقلّ الحديث عن إلغاء الجمعيات الوهمية وقطع “مزراب” المال العام عنها صخباً عن العديد من بنود الموازنة التي سلّطت عليها الأضواء كمغاور للفساد يفترض بالسلطة السياسية الباحثة عن تخفيض العجز أن تضع يدها عليها بغية التوصل الى الموازنة الأكثر تقشفاً بعد “الطائف”، مع العلم أن المليارات صرفت في السنوات الماضية على جمعيات وهمية، أو غير منتجة!

سبق لرئيس الجمهورية ميشال عون إن طلب بفتح تحقيق بملف الجمعيات الوهمية المتعاقدة مع الدولة ووزارة الشؤون الاجتماعية وأوكله الى “أمن الدولة” كما أثار هذا الملف خلال النقاش بشأن سلسلة الرتب والرواتب.

وقد واكبت وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد التي لم تعمّر طويلاً هذا الملف، لكن من دون أن “تفضح” رعاتها من أهل السياسة ولا القيام بجردة بأسمائها وتوزعها المناطقي، فيما يملك، التفتيش المركزي، وفق المعلومات، ملفاً متكاملاً عن هذه الجمعيات.

واليوم لا يزال الحديث عن المسّ بهذه الجمعيات الوهمية أو غير المنتجة يخضع لتوازنات سياسية مناطقية طائفية تجعل من الصعب ضبط الهدر المتأتي من “تجيير” المليارات لجمعيات موجودة بحكم المنفعة السياسية لا غير، واستفادت أيضاً من “كَرم” القروض الخارجية وأموال الجمعيات غير الحكومية.

وفق مشروع الموازنة الذي يدرس على طاولة مجلس الوزراء تصل التخفيضات التي تطال الجمعيات المموّلة من وزارة الشؤون الاجتماعية ومن الدولة بين 15% الى 20%، وذلك من دون وجود لائحة مفصّلة على طاولة الحكومة تفنّد تلك التي يفترض زيادة ميزانيتها لا تخفيضها، أو الجمعيات التي يفترض تخفيض مخصصاتها بسبب قلة انتاجيتها.

أو تلك التي يوجب إقفالها فوراً ومحاسبة من استفاد من مال الدولة عبرها، مع العلم أن وزارة الشؤون الاجتماعية من الوزارات القليلة التي زادت ميزانيتها لزوم الرواتب والالتزامات مع الجمعيات كما أعلن الوزير ريشار قيومجيان.

ووفق دراسة لشركة “الدولية المعلومات” لرئيسها جواد عدرا تستمر وزارة الشؤون الاجتماعية باعتماد السياسة نفسها في التعاقد مع الجمعيات الاهلية والهيئات الدينية بمعزل عن الانتماء السياسي او الطائفي للوزير، وهي خطة لا يحيد عنها أي من الوزراء بالرغم من إبداء الكثير من الملاحظات حول عمل بعض هذه الجمعيات وفعاليتها ما يسبّب هدراً للمال العام. واللافت، وفق الدراسة.

ان الجمعيات التي تتعاقد مع الوزارة هي ذاتها دون تعديل (أحياناً إضافة جمعيات أو حذف أخرى بشكل طفيف أو زيادة مخصصات أو تقليصها لبعض الجمعيات) بالرغم من كلام وزراء الشؤون الاجتماعية المتعاقبين أنهم ألغوا بعض العقود الوهمية وغير الصحيحة. لكن الواقع كان خلاف ذلك، وقد وصل عدد هذه العقود الى 198 عقداً مشتركاً مع جمعيات أهلية بلغت قيمتها 13 مليار ليرة سنوياً!

توقع وزارة الشؤون الاجتماعية عقوداً سنوية مع جمعيات أهلية وهيئات دينية ويصل مجموع هذه العقود الى 610 يستفيد منها 175265 شخصاً وتصل كلفة هذه العقود الى 165 مليار ليرة سنوياً، وفق “الدولية للمعلومات”.

وفيما نص قرار مجلس الوزراء الرقم تاريخ 5-2-2009 على آلية وشروط العقود المشتركة بين الجمعيات الاهلية ووزارة الشؤون الاجتماعية منها خضوع طلب المتعاقد الى دراسة ميدانية وإجراء عملية تقييم سنوية للعقود، فإن التجربة أثبتت وفق الدراسة نفسها أن تجاوز النصوص كان يتمّ بسلاسة خصوصاً إذا كانت الجمعية محمية سياسياً أو طائفياً”.

ولا وجود اليوم لدراسة دقيقة تحدّد مكامن الهدر في “الصرف والبذخ” على الجمعيات، مع العلم أن التفتيش المركزي يملك ملفاً دسماً يظهر الفوارق في “تدليل” جمعيات محمية سياسياً، وفي إستفادة أخريات بالرغم من عدم إنتاجيتها.

وغالباً ما دافع وزراء الشؤون الاجتماعية المتعاقبين عن الميزانيات المخصصة لهذه الجمعيات، وقد ذهب الوزير السابق بيار بو عاصي الى حدّ القول أن “من يطرح مسألة الجمعيات الوهمية يسعى الى بطولات وهمية فقط”، مؤكداً بأن “كل ما يدفع للمؤسسات يمر بأجهزة الرقابة وفي طليعتها ديوان المحاسبة، كما ان الوزارة تكشف عليها شهريا لمتابعة عملها والاستماع الى حاجاتها”.

كارلا الزين

التعليقات مغلقة.