جبران #باسيل : غير الشعبوي

حين قرّر الوزير جبران باسيل خوض غمار معاركه السياسية بخطوطها العريضة، بدءًا بمعركة رئاسة “التيار الوطني الحر”، وذلك قبل وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، أراد أن تكون البداية من داخل البيت “البرتقالي”.

وبدعم واضح من “الجنرال”، ضد إبن شقيقته النائب الآن عون، بعدما أستطاع أن يحقق تقدّمًا عليه، منذ اللحظة الأولى لإنطلاقة المعركة، إذ أن كثيرين من أنصار النائب الشاب كانوا صريحين معه، حين قالوا له إنهم لا يستطيعون أن يخالفوا “إرادة القائد”، فكانت الغلبة لباسيل، الذي بدأ بتطهير “بيته الداخلي”، من خلال القرارات التي أتخذها في حق بعض “المتمردين”.

متسّلحًا بدعم مطلق من “عماد التيار” في مرحلة ما قبل الرئاسة، ومن “الرئيس” في المرحلة التي أصبح فيها العماد عون رئيسًا للجمهورية، في معاركه السياسية الجانبية بعدما رتّب أوضاع “بيته الأورونجي” بما يتوافق مع ضمان عدم تلهيّه بمواجهات متعدّدة، من الداخل والخارج، لينصرف بكل ما لديه من طاقة لتثمير نجاحاته في أكثر من مجال، على طريقة “من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”.

وحين قرر الوزير النشيط والطموح في آن معاكسة التيار الشعبوي والمطالب الشعبية كان يعرف مسبقًا أن ما يعلنه من مواقف لن تعجب كثيرين، وستدفعهم إلى “محاربته” بسلاحه، إلاّ أنه فضّل مصارحة الناس أكثر من إستمالتهم، وذلك إقتناعًا منه بأن هذه المواقف غير الشعبوية قد تؤذيه في مرحلة ما وفي وقت محدّد، ولكن سيكون لها المردود الإيجابي حين يكتشف هؤلاء أن ما طالب به يصبّ في مصلحتهم على المدى البعيد.

وهو الذي لم يعر الحملات التي جُيّشت في وجهه الكثير من الإهتمام، بإعتبار أن الذي يرى روما من فوق غير الذي يراها من تحت، وهو من منطلق مسؤوليته الحزبية والسياسية، لا يقبل إلاّ أن يتخذ إجراءات قد تكون موجعة ولكنها ستؤدي إلى نهايات سعيدة، حتى ولو بعد زمن، تمامًا كالطبيب الذي يقرر أن يبتر ساق المريض المصابة بـ”الغرغرينة”، قبل أن يتفاقم المرض ويقضي على صاحبه.

إلاّ أن بعض الضباط المتقاعدين، الذين يعتبرون أنفسهم من مؤسسي “التيار الوطني الحر”، يوم لم يكن أحد يتجاسر بإعلان إنتمائه إلى “التيار العوني” قبل عودة الرئيس عون من منفاه، لا يرون في ما يطالب به الوزير باسيل من إجراءات تطاول “الذين ضحّوا” داخل التيار وخارجه ليكون للبعض الحيثية التي هم عليها اليوم، “ولولا هؤلاء لما نمى التيار، لأن إنطلاقته كانت على أساس حب الناس للعسكر”.

وقال هؤلاء “ليس بهذه الطريقة يكافأ من كانوا الخميرة في عجنة التيار”، مذكرّين بأن حملة البعض عليهم لم تبدأ بالأمس بل هي مستمرة منذ اليوم الأول الذي أتخذ قرار بـ”تحجيم” دور العسكر في الهيكلية التنظيمية للتيار.

فهل من مصلحة باسيل أن يعادي “عسكر الأمس”، وهو الذي “يقاتل” على أكثر من جبهة سياسية، ويدخل في مواجهة مع الجميع تقريبًا، بدءًا بالرئيس نبيه بري وصولًا إلى حزب “القوات اللبنانية” وتيار “المردة” وحزب الكتائب والحزب التقدمي الإشتراكي، مكتفيًا بالإتكأ على سيبة “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل” (الرئيس سعد الحريري) و”حزب الله”، وهم الذين يشكّلون، برأيه، الأكثرية داخل التركيبة اللبنانية القائمة على مثلث التحالفات الثنائية.

قد يكون من المفيد الإبتعاد قليلًا عن الصورة المصّغرة لكي يستطيع المرء التمييز بوضوح بعض التفاصيل الخافية، والتي يحجبها بعض الدخان المتصاعد من دواخين المطبخ السياسي الداخلي، بإعتبار أن وضع لبنان يرتبط، بشكل أو بآخر، بما يجري في المنطقة، على وقع تردّدات “صفقة القرن”.

وبالأخصّ في ما يتعلق بمسألة التوطين، وهو أمر يستدعي الإستنفار العام سياسيًا ودبلوماسيًا، بعيدًا عن الهموم الداخلية، على رغم أهميتها، وأبرزها موضوع الموازنة، الأمر الذي سيتفرغ له باسيل بصفته وزيرًا للخارجية، من دون أن يعني ذلك أن “ملائكته” لن تكون حاضرة في كل شاردة وواردة داخلية، من أصغرها إلى أكبرها.

اندريه قصاص

التعليقات مغلقة.